مدرسة الفقاهة
مکتبة مدرسة الفقاهة
قسم التصویري
قسم الکتب لأهل السنة
قسم التصویري (لأهل السنة)
ويکي الفقه
ويکي السؤال
فارسی
دلیل المکتبة
بحث متقدم
مجموع المکاتب
الصفحة الرئیسیة
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
جميع المجموعات
المؤلفین
علوم القرآن
التجويد والقراءات
التفاسير
جميع المجموعات
المؤلفین
مدرسة الفقاهة
مکتبة مدرسة الفقاهة
قسم التصویري
قسم الکتب لأهل السنة
قسم التصویري (لأهل السنة)
ويکي الفقه
ويکي السؤال
صيغة PDF
شهادة
الفهرست
««الصفحة الأولى
«الصفحة السابقة
الجزء :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
الجزء :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
اسم الکتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
المؤلف :
الطبري، أبو جعفر
الجزء :
23
صفحة :
615
سورة التغابن
5
القول في تأويل قوله تعالى: يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير يقول تعالى ذكره: يسجد له ما في السماوات السبع وما في الأرض من خلقه ويعظمه.
5
وقوله: له الملك يقول تعالى ذكره: له ملك السموات والأرض وسلطانه ماض قضاؤه في ذلك نافذ فيه أمره.
5
وقوله: وله الحمد يقول: وله حمد كل ما فيها من خلق، لأن جميع من في ذلك من الخلق لا يعرفون الخير إلا منه، وليس لهم رازق سواه فله حمد جميعهم. وهو على كل شيء قدير يقول: وهو على كل شيء ذو قدرة يقول: يخلق ما يشاء، ويميت من يشاء، ويغني من أراد، ويفقر
5
القول في تأويل قوله تعالى: هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير يقول تعالى ذكره: الله الذي خلقكم أيها الناس، وهو من ذكر اسم الله فمنكم كافر ومنكم مؤمن يقول: فمنكم كافر بخالقه وأنه خلقه؛ ومنكم مؤمن يقول: ومنكم مصدق به موقن أنه
5
القول في تأويل قوله تعالى: خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يقول تعالى ذكره: خلق السموات السبع والأرض بالعدل والإنصاف، وصوركم يقول: ومثلكم فأحسن مثلكم، وقيل: إنه عنى بذلك تصويره آدم، وخلقه إياه بيده
6
وقوله: وإليه المصير يقول: وإلى الله مرجع جميعكم أيها الناس.
7
القول في تأويل قوله تعالى: يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور يقول تعالى ذكره: يعلم ربكم أيها الناس ما في السموات السبع والأرض من شيء، لا يخفى عليه من ذلك خافية ويعلم ما تسرون أيها الناس بينكم من قول وعمل وما
7
القول في تأويل قوله تعالى: ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: ألم يأتكم أيها الناس خبر الذين
7
وقوله: ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات يقول: جل ثناؤه: هذا الذي نال الذين كفروا من قبل هؤلاء المشركين من وبال كفرهم، والذي أعد لهم ربهم يوم القيامة من العذاب، من أجل أنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات الذي أرسلهم إليهم ربهم بالواضحات من الأدلة
8
وقوله: فكفروا وتولوا يقول: فكفروا بالله، وجحدوا رسالة رسله الذين بعثهم الله إليهم استكبارا وتولوا يقول: وأدبروا عن الحق فلم يقبلوه، وأعرضوا عما دعاهم إليه رسلهم. واستغنى الله يقول: واستغنى الله عنهم، وعن إيمانهم به وبرسله، ولم تكن به إلى ذلك
8
القول في تأويل قوله تعالى: زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير يقول تعالى ذكره: زعم الذين كفروا بالله أن لن يبعثهم الله إليه من قبورهم بعد مماتهم.
8
وقوله: قل بلى وربي لتبعثن يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد: بلى وربي لتبعثن من قبوركم ثم لتنبؤن بما عملتم يقول: ثم لتخبرن بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا وذلك على الله يسير يقول: وبعثكم من قبوركم بعد مماتكم على الله سهل هين.
9
القول في تأويل قوله تعالى: فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير يقول تعالى ذكره: فصدقوا بالله ورسوله أيها المشركون المكذبون بالبعث، وبإخباره إياكم أنكم مبعوثون من بعد مماتكم، وأنكم من بعد بلائكم تنشرون من قبوركم، والنور الذي
9
القول في تأويل قوله تعالى: يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم يقول تعالى ذكره: والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع الخلائق للعرض
9
وقوله: ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يقول تعالى ذكره: ومن يصدق بالله ويعمل بطاعته، وينته إلى أمره ونهيه يكفر عنه سيئاته يقول: يمح عنه ذنوبه ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار يقول: ويدخله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار.
10
وقوله: خالدين فيها أبدا يقول: لابثين فيها أبدا، لا يموتون، ولا يخرجون منها.
11
وقوله: ذلك الفوز العظيم يقول: خلودهم في الجنات التي وصفنا النجاء العظيم.
11
القول في تأويل قوله تعالى: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير يقول تعالى ذكره: والذين جحدوا وحدانية الله، وكذبوا بأدلته وحججه وآي كتابه الذي أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
11
القول في تأويل قوله تعالى: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم يقول تعالى ذكره: لم يصب أحدا من الخلق مصيبة إلا بإذن الله يقول: إلا بقضاء الله وتقديره ذلك عليه ومن يؤمن بالله يهد قلبه يقول: ومن يصدق بالله فيعلم
11
وقوله: والله بكل شيء عليم يقول: والله بكل شيء ذو علم بما كان ويكون وما هو كائن من قبل أن يكون.
13
القول في تأويل قوله تعالى: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون يقول تعالى ذكره: وأطيعوا الله أيها الناس في أمره ونهيه وأطيعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فإن توليتم فإن
13
الله لا إله إلا هو يقول جل ثناؤه: معبودكم أيها الناس معبود واحد لا تصلح العبادة لغيره ولا معبود لكم سواه.
13
وعلى الله فليتوكل المؤمنون يقول تعالى ذكره: وعلى الله أيها الناس فليتوكل المصدقون بوحدانيته.
13
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم يصدونكم عن سبيل الله، ويثبطونكم عن
13
وقوله: وإن تعفوا وتصفحوا يقول: إن تعفوا أيها المؤمنون عما سلف منهم من صدهم إياكم عن الإسلام والهجرة وتصفحوا لهم عن عقوبتكم إياهم على ذلك، وتغفروا لهم غير ذلك من الذنوب فإن الله غفور رحيم لكم لمن تاب من عباده، من ذنوبكم، رحيم بكم أن يعاقبكم عليها من
18
القول في تأويل قوله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون يقول تعالى ذكره: ما أموالكم أيها الناس وأولادكم إلا فتنة، يعني بلاء عليكم في الدنيا
18
وقوله: والله عنده أجر عظيم يقول: والله عنده ثواب لكم عظيم، إذا أنتم خالفتم أولادكم وأزواجكم في طاعة الله ربكم، وأطعتم الله عز وجل، وأديتم حق الله في أموالكم، والأجر العظيم الذي عند الله الجنة.
18
وقوله: فاتقوا الله ما استطعتم يقول تعالى ذكره: واحذروا الله أيها المؤمنون وخافوا عقابه، وتجنبوا عذابه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، والعمل بما يقرب إليه ما أطقتم وبلغه وسعكم. وذكر أن قوله: فاتقوا الله ما استطعتم نزل بعد قوله: اتقوا الله حق تقاته
19
وقوله: واسمعوا وأطيعوا يقول: واسمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه وأنفقوا خيرا لأنفسكم يقول: وأنفقوا مالا من أموالكم لأنفسكم تستنقذوها من عذاب الله، والخير في هذا الموضع المال.
20
وقوله: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون يقول تعالى ذكره: ومن يقه الله شح نفسه، وذلك اتباع هواها فيما نهى الله عنه.
20
وقوله: فأولئك هم المفلحون يقول: فهؤلاء الذين وقوا شح أنفسهم، المنجحون الذين أدركوا طلباتهم عند ربهم.
21
القول في تأويل قوله تعالى: إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم يقول تعالى ذكره: وإن تنفقوا في سبيل الله، فتحسنوا فيها النفقة، وتحتسبوا بإنفاقكم الأجر والثواب يضاعف ذلك لكم ربكم، فيجعل لكم
21
سورة الطلاق
22
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن
22
وقوله: وأحصوا العدة يقول: وأحصوا هذه العدة وأقراءها فاحفظوها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
30
وقوله: واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن يقول: وخافوا الله أيها الناس ربكم فاحذروا معصيته أن تتعدوا حده، لا تخرجوا من طلقتم من نسائكم لعدتهن من بيوتهن التي كنتم أسكنتموهن فيها قبل الطلاق حتى تنقضي عدتهن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
30
وقوله: ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة يقول جل ثناؤه: لا تخرجوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة أنها فاحشة لمن عاينها أو علمها. واختلف أهل التأويل في معنى الفاحشة التي ذكرت في هذا الموضع، والمعنى الذي من أجله أذن الله بإخراجهن في حال كونهن في العدة من
32
وقوله: وتلك حدود الله يقول تعالى ذكره: وهذه الأمور التي بينتها لكم من الطلاق للعدة، وإحصاء العدة، والأمر باتقاء الله، وأن لا تخرج المطلقة من بيتها، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة حدود الله التي حدها لكم أيها الناس فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فقد ظلم
36
وقوله: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يقول جل ثناؤه: لا تدري ما الذي يحدث؟ لعل الله يحدث بعد طلاقكم إياهن رجعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
37
وقوله: فإذا بلغن أجلهن يقول تعالى ذكره: فإذا بلغ المطلقات اللواتي هن في عدة أجلهن وذلك حين قرب انقضاء عددهن فأمسكوهن بمعروف يقول: فأمسكوهن برجعة تراجعوهن، إن أردتم ذلك بمعروف يقول: بما أمرك الله به من الإمساك وذلك بإعطائها الحقوق التي أوجبها الله
39
وقوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم وأشهدوا على الإمساك إن أمسكتموهن، وذلك هو الرجعة ذوي عدل منكم وهما اللذان يرضى دينهما وأمانتهما. وقد بينا فيما مضى قبل معنى العدل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وذكرنا ما قال أهل العلم فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
40
وقوله: وأقيموا الشهادة لله يقول: وأشهدوا على الحق إذا استشهدتم، وأدوها على صحة إذا أنتم دعيتم إلى أدائها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
41
وقوله: ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر يقول تعالى ذكره: هذا الذي أمرتكم به، وعرفتكم من أمر الطلاق، والواجب لبعضكم على بعض عند الفراق والإمساك عظة منا لكم، نعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فيصدق به. وعني بقوله: من كان يؤمن بالله
42
وقوله: ومن يتق الله يجعل له مخرجا يقول تعالى ذكره: من يخف الله فيعمل بما أمره به، ويجتنب ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجا بأن يعرفه بأن ما قضى فلا بد من أن يكون، وذلك أن المطلق إذا طلق، كما ندبه الله إليه للعدة، ولم يراجعها في عدتها حتى انقضت ثم
42
وقوله: ويرزقه من حيث لا يحتسب يقول: ويسبب له أسباب الرزق من حيث لا يشعر، ولا يعلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وذكر بعضهم أن هذه الآية نزلت بسبب عوف بن مالك الأشجعي.
42
وقوله: ومن يتوكل على الله فهو حسبه يقول تعالى ذكره: ومن يتق الله في أموره، ويفوضها إليه فهو كافيه.
46
وقوله: إن الله بالغ أمره منقطع عن قوله: ومن يتوكل على الله فهو حسبه. ومعنى ذلك: إن الله بالغ أمره بكل حال توكل عليه العبد أو لم يتوكل عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
47
وقوله: قد جعل الله لكل شيء قدرا يقول تعالى ذكره: قد جعل الله لكل شيء من الطلاق والعدة وغير ذلك حدا وأجلا وقدرا ينتهى إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
48
القول في تأويل قوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا يقول تعالى ذكره: والنساء اللاتي قد ارتفع طمعهن عن المحيض، فلا يرجون أن يحضن من
49
وقوله: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن، وذلك إجماع من جميع أهل العلم في المطلقة الحامل، فأما في المتوفى عنها ففيها اختلاف بين أهل العلم. وقد ذكرنا اختلافهم فيما مضى من كتابنا هذا، وسنذكر في هذا الموضع ما لم نذكره
54
وقوله: ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا يقول جل ثناؤه: ومن يخف الله فرهبه، فاجتنب معاصيه، وأدى فرائضه، ولم يخالف إذنه في طلاق امرأته، فإنه يجعل الله له من طلاقه ذلك يسرا، وهو أن يسهل عليه إن أراد الرخصة لاتباع نفسه إياها الرجعة ما دامت في عدتها
58
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا يقول تعالى ذكره: هذا الذي بينت لكم من حكم الطلاق والرجعة والعدة، أمر الله الذي أمركم به، أنزله إليكم أيها الناس، لتأتمروا له، وتعملوا به.
58
وقوله: ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته يقول: ومن يخف الله فيتقه باجتناب معاصيه، وأداء فرائضه، يمح الله عنه ذنوبه وسيئات أعماله ويعظم له أجرا يقول: ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه، ومن إعظامه له الأجر عليه أن يدخله جنته، فيخلده فيها.
59
القول في تأويل قوله تعالى: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق
59
وقوله: ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن يقول جل ثناؤه: ولا تضاروهن في المسكن الذي تسكنونهن فيه، وأنتم تجدون سعة من المنازل أن تطلبوا التضييق عليهن، فذلك قوله: لتضيقوا عليهن يعني: لتضيقوا عليهن في المسكن مع وجودكم السعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
61
وقوله: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن يقول تعالى ذكره: وإن كان نساؤكم المطلقات أولات حمل وكن بائنات منكم، فأنفقوا عليهن في عدتهن منكم حتى يضعن حملهن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
62
ذكر الرواية عنهما بذلك
63
وقوله: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن يقول جل ثناؤه: فإن أرضع لكم نساؤكم البوائن منكم أولادهن الأطفال منكم بأجرة، فآتوهن أجورهن على رضاعهن إياهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
65
وقوله: وأتمروا بينكم بمعروف يقول تعالى ذكره: وليقبل بعضكم أيها الناس من بعض ما أمركم بعضكم به بعضا من معروف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
66
وقوله: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى يقول: وإن تعاسر الرجل والمرأة في رضاع ولدها منه، فامتنعت من رضاعه، فلا سبيل له عليها، وليس له إكراهها على إرضاعه، ولكنه يستأجر للصبي مرضعة غير أمه البائنة منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
67
وقوله: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله يقول تعالى ذكره: لينفق الذي بانت منه امرأته إذا كان ذا سعة من المال، وغنى من سعة ماله وغناه على امرأته البائنة في أجر رضاع ولده منها، وعلى ولده الصغير ومن قدر عليه رزقه يقول: ومن ضيق
68
وقوله: لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها يقول: لا يكلف الله أحدا من النفقة على من تلزمه نفقته بالقرابة والرحم لا ما أعطاه، إن كان ذا سعة فمن سعته، وإن كان مقدورا عليه رزقه فمما رزقه الله على قدر طاعته، لا يكلف الفقير نفقة الغني، ولا أحد من خلقه إلا
70
القول في تأويل قوله تعالى: سيجعل الله بعد عسر يسرا وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا يقول تعالى ذكره: سيجعل الله للمقل من المال المقدور عليه رزقه بعد عسر يسرا يقول: من
71
وقوله: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله يقول تعالى ذكره: وكأين من أهل قرية طغوا عن أمر ربهم وخالفوه، وعن أمر رسل ربهم، فتمادوا في طغيانهم وعتوهم، ولجوا في كفرهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
71
وقوله: فحاسبناها حسابا شديدا يقول: فحاسبناها على نعمتنا عندها وشكرها حسابا شديدا يقول: حسابا استقصينا فيه عليهم، لم نعف لهم فيه عن شيء، ولم نتجاوز فيه عنهم.
72
وقوله: وعذبناها عذابا نكرا يقول: وعذبناها عذابا عظيما منكرا، وذلك عذاب جهنم.
73
وقوله: فذاقت وبال أمرها يقول: فذاقت هذه القرية التي عتت عن أمر ربها ورسله، عاقبة ما عملت وأتت من معاصي الله والكفر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
73
وقوله: وكان عاقبة أمرها خسرا يقول تعالى ذكره: وكان الذي أعقب أمرهم، وذلك كفرهم بالله وعصيانهم إياه خسرا: يعني غبنا، لأنهم باعوا نعيم الآخرة بخسيس من الدنيا قليل، وآثروا اتباع أهوائهم على اتباع أمر الله.
74
القول في تأويل قوله تعالى: أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات يقول تعالى ذكره: أعد الله لهؤلاء القوم الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله عذابا شديدا، وذلك عذاب النار الذي
74
وقوله: الذين آمنوا يقول: الذين صدقوا الله ورسله.
75
وقوله: قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا اختلف أهل التأويل في المعني بالذكر والرسول في هذا الموضع، فقال بعضهم: الذكر هو القرآن، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
75
القول في تأويل قوله تعالى: ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا يقول تعالى ذكره: قد أنزل الله إليكم أيها الناس ذكرا رسولا يتلو عليكم
76
وقوله: ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يقول: ومن يصدق بالله ويعمل بطاعته يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار يقول: يدخله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار خالدين فيها أبدا يقول: ماكثين مقيمين في البساتين التي تجري من تحتها الأنهار أبدا، لا يموتون، ولا
76
وقوله: قد أحسن الله له رزقا يقول: قد وسع الله له في الجنات رزقا، يعني بالرزق: ما رزقه فيها من المطاعم والمشارب، وسائر ما أعد لأوليائه فيها، فطيبه لهم.
77
القول في تأويل قوله تعالى: الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما يقول تعالى ذكره: الله الذي خلق سبع سموات لا ما يعبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تقدر على خلق شيء
77
وقوله: ومن الأرض مثلهن يقول: وخلق من الأرض مثلهن لما في كل واحدة منهن مثل ما في السموات من الخلق.
77
وقوله: يتنزل الأمر بينهن يقول تعالى ذكره: يتنزل أمر الله بين السماء السابعة والأرض السابعة.
81
وقوله: لتعلموا أن الله على كل شيء قدير يقول تعالى ذكره: ينزل قضاء الله وأمره بين ذلك كي تعلموا أيها الناس كنه قدرته وسلطانه، وأنه لا يتعذر عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه أمر شاءه، ولكنه على ما يشاء قدير. وأن الله قد أحاط بكل شيء علما يقول جل ثناؤه
82
سورة التحريم
83
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي المحرم على نفسه ما أحل الله له، يبتغي بذلك مرضاة أزواجه، لم تحرم على نفسك الحلال الذي أحله
83
وقوله: والله غفور رحيم يقول تعالى ذكره: والله غفور يا محمد لذنوب التائبين من عباده من ذنوبهم، وقد غفر لك تحريمك على نفسك ما أحله الله لك، رحيم بعباده أن يعاقبهم على ما قد تابوا منه من الذنوب بعد التوبة.
90
القول في تأويل قوله تعالى: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم يقول تعالى ذكره: قد بين الله عز وجل لكم تحلة أيمانكم، وحدها لكم أيها الناس والله مولاكم يتولاكم بنصره أيها المؤمنون وهو العليم بمصالحكم الحكيم في تدبيره إياكم،
90
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير يقول تعالى ذكره: وإذ أسر النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى بعض أزواجه، وهو في قول
90
وقوله: حديثا والحديث الذي أسر إليها في قول هؤلاء هو قوله لمن أسر إليه ذلك من أزواجه تحريم فتاته، أو ما حرم على نفسه مما كان الله جل ثناؤه قد أحله له، وحلفه على ذلك وقوله: " لا تذكري ذلك لأحد ".
91
وقوله: فلما نبأت به يقول تعالى ذكره: فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها وأظهره عليه يقول: وأظهر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على أنها قد أنبأت بذلك صاحبتها.
91
وقوله: عرف بعضه وأعرض عن بعض اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار غير الكسائي: عرف بتشديد الراء، بمعنى: عرف النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به، وكان الكسائي يذكر عن الحسن البصري وأبي عبد الرحمن السلمي وقتادة،
91
وقوله: وأعرض عن بعض يقول: وترك أن يخبرها ببعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
92
وقوله: فلما نبأها به يقول: فلما خبر حفصة نبي الله صلى الله عليه وسلم بما أظهره الله عليه من إفشائها سر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة قالت من أنبأك هذا يقول: قالت حفصة لرسول الله: من أنبأك هذا الخبر وأخبرك به قال نبأني العليم الخبير يقول
92
القول في تأويل قوله تعالى: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير يقول تعالى ذكره: إن تتوبا إلى الله أيتها المرأتان فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم
93
وقوله: وإن تظاهرا عليه يقول تعالى ذكره للتي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، والتي أفشت إليها حديثه، وهما عائشة وحفصة رضي الله عنهما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
94
وقوله: فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين يقول: فإن الله هو وليه وناصره وصالح المؤمنين وخيار المؤمنين أيضا مولاه وناصره. وقيل: عني بصالح المؤمنين في هذا الموضع: أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما.
97
وقوله: والملائكة بعد ذلك ظهير يقول: والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعوان على من أذاه، وأراد مساءته. والظهير في هذا الموضع بلفظ واحد في معنى جمع. ولو أخرج بلفظ الجميع لقيل: والملائكة بعد ذلك ظهراء.
98
القول في تأويل قوله تعالى: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا. يقول تعالى ذكره: عسى رب محمد إن طلقكن يا معشر أزواج محمد صلى الله عليه وسلم أن يبدله منكن أزواجا خيرا منكن. وقيل: إن هذه
99
وقوله: مسلمات يقول: خاضعات لله بالطاعة مؤمنات يعني مصدقات بالله ورسوله.
100
وقوله: قانتات يقول: مطيعات لله.
101
وقوله: تائبات يقول: راجعات إلى ما يحبه الله منهن من طاعته عما يكرهه منهن عابدات يقول: متذللات لله بطاعته.
101
وقوله: سائحات يقول: صائمات واختلف أهل التأويل في معنى قوله: سائحات فقال بعضهم: معنى ذلك: صائمات.
101
وقوله: ثيبات وهن اللواتي قد افترعن وذهبت عذرتهن. وأبكارا وهن اللواتي لم يجامعن، ولم يفترعن.
103
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله قوا أنفسكم يقول: علموا بعضكم بعضا ما تقون به
103
وقوله: وأهليكم نارا يقول: وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
103
وقوله: وقودها الناس يقول: حطبها الذي يوقد على هذه النار بنو آدم وحجارة الكبريت.
105
وقوله: عليها ملائكة غلاظ شداد يقول: على هذه النار ملائكة من ملائكة الله، غلاظ على أهل النار، شداد عليهم. لا يعصون الله ما أمرهم يقول: لا يخالفون الله في أمره الذي يأمرهم به ويفعلون ما يؤمرون يقول: وينتهون إلى ما يأمرهم به ربهم.
105
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله يوم القيامة للذين جحدوا وحدانيته في الدنيا يا أيها الذين كفروا الله لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون يقول: يقال لهم: إنما
105
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك
105
وقوله: عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم يقول: عسى ربكم أيها المؤمنون أن يمحو سيئات أعمالكم التي سلفت منكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يقول: وأن يدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا
109
يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا يقول جل ثناؤه مخبرا عن قيل المؤمنين يوم القيامة: يقولون ربنا أتمم لنا نورنا يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم، فلا يطفئه حتى يجوزوا الصراط، وذلك حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم. وبنحو
109
وقوله: واغفر لنا يقول: واستر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا بها بعقوبتك إيانا عليها إنك على كل شيء قدير يقول: إنك على إتمام نورنا لنا، وغفران ذنوبنا، وغير ذلك من الأشياء ذو قدرة.
110
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بالوعيد واللسان.
110
واغلظ عليهم يقول: واشدد عليهم في ذات الله ومأواهم جهنم يقول: ومكثهم جهنم، ومصيرهم الذي يصيرون إليه نار جهنم وبئس المصير قال: وبئس الموضع الذي يصيرون إليه جهنم.
111
القول في تأويل قوله تعالى: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين يقول تعالى ذكره: مثل الله مثلا للذين كفروا من الناس وسائر الخلق امرأة نوح
111
وقوله: فلم يغنيا عنهما من الله شيئا يقول: فلم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما من الله لما عاقبهما على خيانتهما أزواجهما شيئا، ولم ينفعهما أن كانت أزواجهما أنبياء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
113
وقوله: وقيل ادخلا النار مع الداخلين قال الله لهما يوم القيامة: ادخلا أيتها المرأتان نار جهنم مع الداخلين فيها.
114
القول في تأويل قوله تعالى: وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين يقول تعالى ذكره: وضرب الله مثلا للذين صدقوا الله ووحدوه، امرأة فرعون التي آمنت بالله ووحدته، وصدقت
114
وقوله: ونجني من فرعون وعمله وتقول: وأنقذني من عذاب فرعون، ومن أن أعمل عمله، وذلك كفره بالله.
116
وقوله: ونجني من القوم الظالمين تقول: وأخلصني وأنقذني من عمل القوم الكافرين بك، ومن عذابهم.
116
القول في تأويل قوله تعالى: ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين يقول تعالى ذكره: وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها، يقول: التي منعت جيب درعها جبريل عليه السلام، وكل
116
وقوله: فنفخنا فيه من روحنا يقول: فنفخنا فيه في جيب درعها، وذلك فرجها، من روحنا من جبرئيل، وهو الروح. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
116
وصدقت بكلمات ربها يقول: آمنت بعيسى، وهو كلمة الله وكتبه يعني التوراة والإنجيل وكانت من القانتين يقول: وكانت من القوم المطيعين.
117
سورة الملك
118
القول في تأويل قوله تعالى: تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور يعني بقوله تعالى ذكره: تبارك تعاظم وتعالى الذي بيده الملك بيده ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما نافذ فيهما أمره وقضاؤه.
118
وقوله: الذي خلق الموت والحياة فأمات من شاء وما شاء، وأحيا من أراد وما أراد إلى أجل معلوم. ليبلوكم أيكم أحسن عملا يقول: ليختبركم فينظر أيكم له أيها الناس أطوع، وإلى طلب رضاه أسرع.
118
وقوله: وهو العزيز يقول: وهو القوي الشديد انتقامه ممن عصاه، وخالف أمره الغفور ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه.
119
القول في تأويل قوله تعالى: الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير يقول تعالى ذكره: مخبرا عن صفته الذي خلق سبع سموات طباقا طبقا فوق طبق، بعضها فوق بعض.
119
وقوله: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت يقول جل ثناؤه: ما ترى في خلق الرحمن الذي خلق لا في سماء ولا في أرض، ولا في غير ذلك من تفاوت، يعني من اختلاف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
119
وقوله: فارجع البصر هل ترى من فطور يقول: فرد البصر، هل ترى فيه من صدوع؟ وهي من قول الله: تكاد السموات يتفطرن من فوقهن بمعنى يتشققن ويتصدعن، والفطور مصدر فطر فطورا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
120
وقوله: ثم ارجع البصر كرتين يقول جل ثناؤه: ثم رد البصر يا ابن آدم كرتين مرة بعد أخرى، فانظر، هل ترى من فطور أو تفاوت ينقلب إليك البصر خاسئا يقول: يرجع إليك بصرك صاغرا مبعدا من قولهم للكلب: اخسأ، إذا طردوه؛ أي: ابعد صاغرا وهو حسير يقول: وهو معي
121
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير يقول تعالى ذكره: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وهي النجوم، وجعلها مصابيح لإضاءتها، وكذلك الصبح إنما قيل له صبح للضوء الذي يضيء للناس من
122
وقوله: وأعتدنا لهم عذاب السعير يقول جل ثناؤه: وأعتدنا للشياطين في الآخرة عذاب السعير، تسعر عليهم فتسجر
123
القول في تأويل قوله تعالى: وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور يقول تعالى ذكره: وللذين كفروا بربهم الذي خلقهم في الدنيا عذاب جهنم في الآخرة وبئس المصير يقول: وبئس المصير عذاب جهنم.
123
وقوله: إذا ألقوا فيها يعني إذا ألقي الكافرون في جهنم سمعوا لها يعني لجهنم شهيقا يعني بالشهيق: الصوت الذي يخرج من الجوف بشدة كصوت الحمار، كما قال رؤبة في صفة حمار: حشرج في الجوف سحيلا أو شهق حتى يقال ناهق وما نهق
123
وقوله: وهي تفور يقول: تغلي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
124
القول في تأويل قوله تعالى: تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير يقول تعالى ذكره: تكاد جهنم تميز يقول: تتفرق وتتقطع من الغيظ على أهلها. وبنحو
124
وقوله: كلما ألقي فيها فوج سألهم يقول جل ثناؤه: كلما ألقي في جهنم جماعة سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير يقول: سأل الفوج خزنة جهنم، فقالوا لهم: ألم يأتكم في الدنيا نذير ينذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟ فأجابهم المساكين فقالوا بلى قد جاءنا نذير ينذرنا هذا
125
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير يقول تعالى ذكره: وقال الفوج الذي ألقي في النار للخزنة: لو كنا في الدنيا نسمع أو نعقل من النذر ما جاءونا به من النصيحة، أو نعقل عنهم ما
125
وقوله: فاعترفوا بذنبهم يقول: فأقروا بذنبهم؛ ووحد الذنب، وقد أضيف إلى الجمع لأن فيه معنى فعل، فأدى الواحد عن الجمع، كما يقال: خرج عطاء الناس، وأعطية الناس. فسحقا لأصحاب السعير يقول: فبعدا لأهل النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
125
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور يقول تعالى ذكره: إن الذين يخافون ربهم بالغيب: يقول: وهم لم يروه لهم مغفرة يقول: لهم عفو من الله عن ذنوبهم وأجر كبير يقول: وثواب
126
وقوله: وأسروا قولكم أو اجهروا به يقول جل ثناؤه: وأخفوا قولكم وكلامكم أيها الناس أو أعلنوه وأظهروه. إنه عليم بذات الصدور يقول: إنه ذو علم بضمائر الصدور التي لم يتكلم بها، فكيف بما نطق به وتكلم به، أخفي ذلك أو أعلن، لأن من لم تخف عليه ضمائر الصدور
127
القول في تأويل قوله تعالى: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور يقول تعالى ذكره: ألا يعلم الرب جل ثناؤه من خلق من خلقه؟ يقول: كيف يخفى عليه خلقه الذي خلق وهو اللطيف بعباده الخبير
127
وقوله: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا يقول تعالى ذكره: الله الذي جعل لكم الأرض ذلولا سهلا سهلها لكم فامشوا في مناكبها. واختلف أهل العلم في معنى مناكبها فقال بعضهم: مناكبها: جبالها.
127
وقوله: وكلوا من رزقه يقول: وكلوا من رزق الله الذي أخرجه لكم من مناكب الأرض. وإليه النشور يقول تعالى ذكره: وإلى الله نشركم من قبوركم.
129
القول في تأويل قوله تعالى: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير يقول تعالى ذكره: أأمنتم من في السماء أيها الكافرون أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور يقول: فإذا الأرض تذهب بكم وتجيء
129
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير يقول تعالى ذكره: ولقد كذب الذين من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الأمم الخالية رسلهم فكيف كان نكير يقول: فكيف
130
وقوله: ما يمسكهن إلا الرحمن يقول: ما يمسك الطير الصافات فوقكم إلا الرحمن؛ يقول: فلهم بذلك مذكر إن ذكروا، ومعتبر إن اعتبروا، يعلمون به أن ربهم واحد لا شريك له. إنه بكل شيء بصير يقول: إن الله بكل شيء ذو بصر وخبرة، لا يدخل تدبيره خلل، ولا يرى في
131
القول في تأويل قوله تعالى: أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور يقول تعالى ذكره: للمشركين به من قريش: من هذا الذي هو جند لكم أيها الكافرون به، ينصركم من دون الرحمن إن أراد بكم سوءا، فيدفع عنكم ما أراد بكم من ذلك. إن
131
القول في تأويل قوله تعالى: أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور يقول تعالى ذكره: أم من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم، ويأتي بأقواتكم إن أمسك بكم رزقه الذي يرزقه عنكم.
131
وقوله: بل لجوا في عتو ونفور يقول: بل تمادوا في طغيان ونفور عن الحق واستكبار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
131
القول في تأويل قوله تعالى: أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم يقول تعالى ذكره: أفمن يمشي أيها الناس مكبا على وجهه لا يبصر ما بين يديه، وما عن يمينه وشماله أهدى أشد استقامة على الطريق، وأهدى له، أمن يمشي سويا مشي بني آدم على
132
القول في تأويل قوله تعالى: قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون يقول تعالى ذكره: قل يا محمد للذين يكذبون بالبعث من المشركين: الله الذي أنشأكم فخلقكم، وجعل لكم السمع تسمعون به والأبصار تبصرون بها والأفئدة تعقلون بها.
134
القول في تأويل قوله تعالى: قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد، الله الذي ذرأكم في الأرض يقول: الله الذي خلقكم في الأرض. وإليه تحشرون يقول: وإلى الله
134
القول في تأويل قوله تعالى: قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المستعجليك بالعذاب وقيام الساعة: إنما علم الساعة،
135
وقوله: فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا يقول تعالى ذكره: فلما رأى هؤلاء المشركون عذاب الله زلفة: يقول: قريبا، وعاينوه سيئت وجوه الذين كفروا يقول: ساء الله بذلك وجوه الكافرين. وبنحو الذي قلنا في قوله: زلفة قال أهل التأويل.
135
القول في تأويل قوله تعالى: قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للمشركين من قومك: أرأيتم أيها الناس إن أهلكني الله فأماتني ومن معي أو رحمنا فأخر في آجالنا
137
القول في تأويل قوله تعالى: قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: ربنا الرحمن آمنا به يقول: صدقنا به. وعليه توكلنا يقول: وعليه اعتمدنا في أمورنا، وبه وثقنا فيها.
138
القول في تأويل قوله تعالى: قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أرأيتم أيها القوم العادلون بالله إن أصبح ماؤكم غورا يقول: غائرا لا تناله الدلاء فمن يأتيكم بماء
138
سورة القلم
140
القول في تأويل قوله تعالى: ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ن فقال بعضهم: هو الحوت الذي عليه الأرضون.
140
وقوله: وما يسطرون يقول: والذي يخطون ويكتبون. وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه كان القسم بالخلق وأفعالهم. وقد يحتمل الكلام معنى آخر، وهو أن يكون معناه: وسطرهم ما يسطرون، فتكون ما بمعنى المصدر. وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه، كان القسم بالكتاب،
148
وقوله: ما أنت بنعمة ربك بمجنون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ما أنت بنعمة ربك بمجنون، مكذبا بذلك مشركي قريش الذين قالوا له: إنك مجنون.
149
وقوله: وإن لك لأجرا غير ممنون يقول تعالى ذكره: وإن لك يا محمد لثوابا من الله عظيما على صبرك على أذى المشركين إياك غير منقوص ولا مقطوع، من قولهم: حبل منير، إذا كان ضعيفا، وقد ضعفت منته: إذا ضعفت قوته.
149
القول في تأويل قوله تعالى: وإنك لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به، وهو الإسلام
149
ذكر من قال ذلك
150
وقوله: فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون يقول تعالى ذكره: فسترى يا محمد، ويرى مشركو قومك الذين يدعونك مجنونا بأيكم المفتون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
152
وقوله: بأيكم المفتون اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله بأيكم المجنون، كأنه وجه معنى الباء في قوله: بأيكم إلى معنى في. وإذا وجهت الباء إلى معنى في كان تأويل الكلام: ويبصرون في أي الفريقين، المجنون في فريقك يا محمد أو فريقهم،
152
ذكر من قال معنى ذلك: بأيكم المجنون
153
ذكر من قال: المفتون: بمعنى المصدر، وبمعنى الجنون
153
وقوله: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد هو أعلم بمن ضل عن سبيله، كضلال كفار قريش عن دين الله، وطريق الهدى. وهو أعلم بالمهتدين يقول: وهو أعلم بمن اهتدى، فاتبع الحق، وأقر به، كما اهتديت أنت فاتبعت الحق، وهذا من
155
القول في تأويل قوله تعالى: فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تطع يا محمد المكذبين بآيات الله ورسوله. ودوا لو تدهن فيدهنون. اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال
155
وقوله: ولا تطع كل حلاف مهين ولا تطع يا محمد كل ذي إكثار للحلف بالباطل؛ مهين: وهو الضعيف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. غير أن بعضهم وجه معنى المهين إلى الكذاب، وأحسبه فعل ذلك لأنه رأى أنه إذا وصف بالمهانة فإنما وصف بها لمهانة نفسه كانت
157
وقوله: هماز يعني: مغتاب للناس يأكل لحومهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
159
وقوله: مشاء بنميم يقول: مشاء بحديث الناس بعضهم في بعض، ينقل حديث بعضهم إلى بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
159
القول في تأويل قوله تعالى: مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم يقول تعالى ذكره: بخيل بالمال ضنين به عن الحقوق. وقوله: معتد يقول: معتد على الناس أثيم ذي إثم بربه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
160
وقوله: عتل يقول: وهو عتل، والعتل: الجافي الشديد في كفره، وكل شديد قوي فالعرب تسميه عتلا؛ ومنه قول ذي الإصبع العدواني: والدهر يغدو معتلا جذعا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
161
وقوله: زنيم والزنيم في كلام العرب: الملصق بالقوم وليس منهم؛ ومنه قول حسان بن ثابت: وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد وقال آخر: زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
164
القول في تأويل قوله تعالى: أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين سنسمه على الخرطوم اختلفت القراء في قراءة قوله: أن كان فقرأ ذلك أبو جعفر المدني وحمزة: (أأن كان ذا مال) بالاستفهام بهمزتين، وتتوجه قراءة من قرأ ذلك كذلك إلى وجهين
169
وقوله: إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين يقول: إذا تقرأ عليه آيات كتابنا، قال: هذا مما كتبه الأولون استهزاء به وإنكارا منه أن يكون ذلك من عند الله.
169
وقوله: سنسمه على الخرطوم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: سنخطمه بالسيف، فنجعل ذلك علامة باقية، وسمة ثابتة فيه ما عاش.
169
القول في تأويل قوله تعالى: إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون يعني تعالى ذكره بقوله: إنا بلوناهم أي بلونا مشركي قريش، يقول: امتحناهم فاختبرناهم كما بلونا أصحاب الجنة يقول: كما امتحنا أصحاب البستان إذ أقسموا
171
وذكر أن أصحاب الجنة كانوا أهل كتاب
172
القول في تأويل قوله تعالى: فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم يقول تعالى ذكره: فطرق جنة هؤلاء القوم ليلا طارق من أمر الله وهم نائمون، ولا يكون الطائف في كلام العرب إلا ليلا ولا يكون نهارا، وقد يقولون: أطفت بها نهارا. وذكر الفراء أن
173
وقوله: فأصبحت كالصريم اختلف أهل التأويل في الذي عني بالصريم، فقال بعضهم: عني به الليل الأسود، وقال بعضهم: معنى ذلك: فأصبحت جنتهم محترقة سوداء كسواد الليل المظلم البهيم.
174
القول في تأويل قوله تعالى: فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين يقول تعالى ذكره: فتنادى هؤلاء القوم وهم أصحاب الجنة. يقول: نادى بعضهم بعضا مصبحين يقول: بعد أن
175
القول في تأويل قوله تعالى: فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون يقول تعالى ذكره: فلما صار هؤلاء القوم إلى جنتهم، ورأوها محترقا حرثها، أنكروها وشكوا فيها، هل هي جنتهم أم لا؟ فقال بعضهم لأصحابه ظنا منه أنهم قد
179
وقوله: قال أوسطهم يعني: أعدلهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
180
وقوله: ألم أقل لكم لولا تسبحون يقول: هلا تستثنون إذ قلتم: لنصرمنها مصبحين، فتقولوا إن شاء الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
182
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين يقول تعالى ذكره: قال أصحاب الجنة: سبحان ربنا إنا كنا ظالمين في تركنا الاستثناء في قسمنا وعزمنا على ترك إطعام المساكين من ثمر جنتنا.
182
وقوله: فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون يقول جل ثناؤه: فأقبل بعضهم على بعض يلوم بعضهم بعضا على تفريطهم فيما فرطوا فيه من الاستثناء، وعزمهم على ما كانوا عليه من ترك إطعام المساكين من جنتهم.
182
وقوله: يا ويلنا إنا كنا طاغين يقول: قال أصحاب الجنة: يا ويلنا إنا كنا مبعدين: مخالفين أمر الله في تركنا الاستثناء والتسبيح.
183
القول في تأويل قوله تعالى: عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل أصحاب الجنة: عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها بتوبتنا من خطأ فعلنا الذي سبق ما خيرا من جنتنا. إنا إلى
183
قوله تعالى ذكره كذلك العذاب يقول جل ثناؤه: كفعلنا بجنة أصحاب الجنة، إذ أصبحت كالصريم بالذي أرسلنا عليها من البلاء والآفة المفسدة، فعلنا بمن خالف أمرنا وكفر برسلنا في عاجل الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر يعني عقوبة الآخرة بمن عصى ربه وكفر به، أكبر يوم
183
وقوله: لو كانوا يعلمون يقول: لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن عقوبة الله لأهل الشرك به أكبر من عقوبته لهم في الدنيا، لارتدعوا وتابوا وأنابوا، ولكنهم بذلك جهال لا يعلمون.
184
القول في تأويل قوله تعالى: إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون يقول تعالى ذكره: إن للمتقين الذين اتقوا عقوبة الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه عند ربهم جنات النعيم يعني: بساتين النعيم الدائم.
184
وقوله: أفنجعل المسلمين كالمجرمين يقول تعالى ذكره: أفنجعل أيها الناس في كرامتي ونعمتي في الآخرة الذين خضعوا لي بالطاعة، وذلوا لي بالعبودية، وخشعوا لأمري ونهيي، كالمجرمين الذي اكتسبوا المأثم، وركبوا المعاصي، وخالفوا أمري ونهيي؟ كلا ما الله بفاعل
184
وقوله: ما لكم كيف تحكمون أتجعلون المطيع لله من عبيده، والعاصي له منهم في كرامته سواء. يقول جل ثناؤه: لا تسووا بينهما فإنهما لا يستويان عند الله، بل المطيع له الكرامة الدائمة، والعاصي له الهوان الباقي.
184
القول في تأويل قوله تعالى: أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريش: ألكم أيها القوم بتسويتكم بين المسلمين والمجرمين في كرامة الله كتاب نزل من عند الله
184
وقوله: إن لكم فيه لما تخيرون يقول جل ثناؤه: إن لكم في ذلك الذي تخيرون من الأمور لأنفسكم، وهذا أمر من الله، توبيخ لهؤلاء القوم وتقريع لهم فيما كانوا يقولون من الباطل، ويتمنون من الأماني الكاذبة.
185
وقوله: أم لكم فيه أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة يقول: هل لكم أيمان علينا تنتهي بكم إلى يوم القيامة، بأن لكم ما تحكمون أي بأن لكم حكمكم، ولكن الألف كسرت من إن لما دخل في الخبر اللام: أي هل لكم أيمان علينا بأن لكم حكمكم.
185
القول في تأويل قوله تعالى: سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: سل يا محمد هؤلاء المشركين أيهم بأن لهم علينا أيمانا بالغة بحكمهم إلى يوم القيامة زعيم يعني: كفيل به، والزعيم
185
وقوله: أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين يقول تعالى ذكره: ألهؤلاء القوم شركاء فيما يقولون ويصفون من الأمور التي يزعمون أنها لهم، فليأتوا بشركائهم في ذلك إن كانوا فيما يدعون من الشركاء صادقين.
186
القول في تأويل قوله تعالى: يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون يقول تعالى ذكره يوم يكشف عن ساق قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد.
186
وقوله: ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون يقول: ويدعوهم الكشف عن الساق إلى السجود لله تعالى فلا يطيقون ذلك.
196
وقوله: خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة يقول: تغشاهم ذلة من عذاب الله. وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون يقول: وقد كانوا في الدنيا يدعونهم إلى السجود له، وهم سالمون، لا يمنعهم من ذلك مانع، ولا يحول بينه وبينهم حائل. وقد قيل: السجود في هذا الموضع:
196
وقوله: وقد كانوا يدعون إلى السجود أي في الدنيا وهم سالمون أي في الدنيا.
197
القول في تأويل قوله تعالى: فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كل يا محمد أمر هؤلاء المكذبين بالقرآن إلي؛ وهذا كقول القائل لآخر غيره يتوعد رجلا: دعني وإياه،
198
وقوله: سنستدرجهم من حيث لا يعلمون يقول جل ثناؤه: سنكيدهم من حيث لا يعلمون، وذلك بأن يمتعهم بمتاع الدنيا حتى يظنوا أنهم متعوا به بخير لهم عند الله، فيتمادوا في طغيانهم، ثم يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون.
198
وقوله: وأملي لهم إن كيدي متين يقول تعالى ذكره: وأنسئ في آجالهم ملاوة من الزمان، وذلك برهة من الدهر على كفرهم وتمردهم على الله لتتكامل حجج الله عليهم. إن كيدي متين يقول: إن كيدي بأهل الكفر قوي شديد.
198
القول في تأويل قوله تعالى: أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين بالله على ما أتيتهم به من النصيحة، ودعوتهم إليه من الحق، ثوابا وجزاء. فهم من مغرم
199
وقوله: أم عندهم الغيب فهم يكتبون يقول: أعندهم اللوح المحفوظ الذي فيه نبأ ما هو كائن، فهم يكتبون منه ما فيه، ويجادلونك به، ويزعمون أنهم على كفرهم بربهم أفضل منزلة عند الله من أهل الإيمان به.
199
القول في تأويل قوله تعالى: فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاصبر يا محمد لقضاء ربك وحكمه فيك، وفي هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا
199
وقوله: ولا تكن كصاحب الحوت الذي حبسه في بطنه، وهو يونس بن متى صلى الله عليه وسلم فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك، كما عاقبه فحبسه في بطنه إذ نادى وهو مكظوم يقول: إذ نادى وهو مغموم، قد أثقله الغم وكظمه.
199
وقوله: لولا أن تداركه نعمة من ربه يقول جل ثناؤه: لولا أن تدارك صاحب الحوت نعمة من ربه، فرحمه بها، وتاب عليه من مغاضبته ربه لنبذ بالعراء وهو الفضاء من الأرض: ومنه قول ابن جعدة: ورفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي
200
وهو مذموم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: وهو مذموم فقال بعضهم: معناه وهو مليم.
201
القول في تأويل قوله تعالى: فاجتباه ربه فجعله من الصالحين وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين يقول تعالى ذكره: فاجتبى صاحب الحوت ربه، يعني اصطفاه واختاره لنبوته فجعله من الصالحين يعني من
201
وقوله: وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم يقول جل ثناؤه: وإن يكاد الذين كفروا يا محمد ينفذونك بأبصارهم من شدة عداوتهم لك ويزيلونك فيرموا بك عند نظرهم إليك غيظا عليك. وقد قيل: إنه عني بذلك: وإن يكاد الذين كفروا مما عانوك بأبصارهم ليرمون بك يا
202
وقوله: لما سمعوا الذكر يقول: لما سمعوا كتاب الله يتلى. ويقولون إنه لمجنون يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المشركون الذين وصف صفتهم: إن محمدا لمجنون، وهذا الذي جاءنا به من الهذيان الذي يهذي به في جنونه. وما هو إلا ذكر للعالمين وما محمد إلا ذكر ذكر الله
204
سورة الحاقة
205
القول في تأويل قوله تعالى: الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة يقول تعالى ذكره: الساعة الحاقة التي تحق فيها الأمور، ويجب فيها الجزاء على الأعمال. ما الحاقة يقول: أي شيء الساعة الحاقة. وذكر عن العرب أنها تقول: لما عرف
205
وقوله: وما أدراك ما الحاقة يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأي شيء أدراك وعرفك أي شيء الحاقة.
207
وقوله: كذبت ثمود وعاد بالقارعة يقول تعالى ذكره: كذبت ثمود قوم صالح وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد فيها بهجومها عليهم. والقارعة أيضا اسم من أسماء القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
207
القول في تأويل قوله تعالى: فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية يقول تعالى ذكره: فأما ثمود قوم صالح، فأهلكهم الله بالطاغية.
207
وقوله: وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية يقول تعالى ذكره: وأما عاد قوم هود فأهلكهم الله بريح صرصر وهي الشديدة العصوف مع شدة بردها عاتية يقول: عتت على خزانها في الهبوب، فتجاوزت في الشدة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب والبرد. وبنحو الذي قلنا في ذلك
209
وقوله: سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما يقول تعالى ذكره: سخر تلك الرياح على عاد سبع ليال وثمانية أيام حسوما؛ فقال بعضهم: عنى بذلك: تباعا.
211
وقوله: فترى القوم فيها صرعى يقول: فترى يا محمد قوم عاد في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى قد هلكوا. كأنهم أعجاز نخل خاوية يقول: كأنهم أصول نخل قد خوت.
215
وقوله: فهل ترى لهم من باقية يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فهل ترى يا محمد لعاد قوم هود من بقاء. وقيل: عني بذلك: فهل ترى منهم باقيا. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من البصريين يقول: معنى ذلك: فهل ترى لهم من بقية، ويقول: مجازها
215
القول في تأويل قوله تعالى: وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية يقول تعالى ذكره: وجاء فرعون مصر. واختلفت القراء في قراءة قوله: ومن قبله
215
وقوله: والمؤتفكات بالخاطئة يقول: والقرى التي ائتفكت بأهلها فصار عاليها سافلها. بالخاطئة يعني بالخطيئة. وكانت خطيئتها: إتيانها الذكران في أدبارهم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: والمؤتفكات قال أهل التأويل.
216
وقوله: فعصوا رسول ربهم يقول جل ثناؤه: فعصى هؤلاء الذين ذكرهم الله، وهم فرعون ومن قبله والمؤتفكات رسول ربهم.
218
وقوله: فأخذهم أخذة رابية يقول: فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة، يعني أخذة زائدة شديدة نامية، من قولهم: أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا؛ يقال: أربيت فربا رباك، والفضة والذهب قد ربوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
218
وقوله: إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية يقول تعالى ذكره: إنا لما كثر الماء فتجاوز حده المعروف، كان له، وذلك زمن الطوفان. وقيل: إنه زاد فعلا فوق كل شيء بقدر خمس عشرة ذراعا.
219
وقوله: حملناكم في الجارية يقول: حملناكم في السفينة التي تجري في الماء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
220
وقوله: لنجعلها لكم تذكرة يقول: لنجعل السفينة الجارية التي حملناكم فيها لكم تذكرة يعني عبرة وموعظة تتعظون بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
221
وقوله: وتعيها أذن واعية يعني حافظة عقلت عن الله ما سمعت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
221
القول في تأويل قوله تعالى: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة يقول تعالى ذكره: فإذا نفخ في الصور إسرافيل نفخة واحدة وهي النفخة الأولى. وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة يقول: فزلزلتا زلزلة واحدة.
223
القول في تأويل قوله تعالى: وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية. يقول تعالى ذكره: وانصدعت السماء فهي يومئذ واهية يقول: منشقة متصدعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
224
والملك على أرجائها يقول تعالى ذكره: والملك على أطراف السماء حين تشقق وحافاتها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
225
وقوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله: ثمانية فقال بعضهم: عني به ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدتهن إلا الله.
227
وقوله: يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية يقول تعالى ذكره: يومئذ أيها الناس تعرضون على ربكم، وقيل: تعرضون ثلاث عرضات.
230
وقوله: لا تخفى منكم خافية يقول جل ثناؤه: لا تخفى على الله منكم خافية، لأنه عالم بجميعكم، محيط بكلكم.
231
القول في تأويل قوله تعالى: فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه، فيقول تعالى اقرءوا كتابيه.
231
وقوله: إني ظننت أني ملاق حسابيه يقول: إني علمت أني ملاق حسابيه إذا وردت يوم القيامة على ربي. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: إني ظننت قال أهل التأويل.
232
القول في تأويل قوله تعالى: فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية يقول تعالى ذكره: فالذي وصفت أمره، وهو الذي أوتي كتابه بيمينه، في عيشة مرضية، أو عيشة فيها الرضا، فوصفت العيشة بالرضا وهي مرضية،
233
وقوله: في جنة عالية يقول: في بستان عال رفيع، وفي من قوله: في جنة من صلة عيشة.
233
وقوله: قطوفها دانية يقول: ما يقطف من الجنة من ثمارها دان قريب من قاطفه. وذكر أن الذي يريد ثمرها يتناوله كيف شاء قائما وقاعدا، لا يمنعه منه بعد، ولا يحول بينه وبينه شوك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
233
وقوله: كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية يقول لهم ربهم جل ثناؤه: كلوا معشر من رضيت عنه، فأدخلته جنتي من ثمارها، وطيب ما فيها من الأطعمة، واشربوا من أشربتها، هنيئا لكم لا تتأذون بما تأكلون، ولا بما تشربون، ولا تحتاجون من أكل ذلك إلى
234
القول في تأويل قوله تعالى: وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية يقول تعالى ذكره: وأما من أعطي يومئذ كتاب أعماله بشماله، فيقول: يا ليتني لم أعط كتابيه. ولم أدر ما حسابيه يقول: ولم أدر أي شيء
235
وقوله: يا ليتها كانت القاضية يقول: يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت هي الفراغ من كل ما بعدها، ولم يكن بعدها حياة ولا بعث؛ والقضاء: هو الفراغ. وقيل: إنه تمنى الموت الذي يقضي عليه، فتخرج منه نفسه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
235
القول في تأويل قوله تعالى: ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذي أوتي كتابه بشماله: ما أغنى عني ماليه يعني أنه لم يدفع عنه ماله
235
وقوله: خذوه فغلوه يقول تعالى ذكره لملائكته من خزان جهنم: خذوه فغلوه. ثم الجحيم صلوه يقول: ثم في جهنم أوردوه ليصلي فيها. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه يقول: ثم اسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا، بذراع الله أعلم بقدر طولها. وقيل: إنها تدخل
237
وقوله: إنه كان لا يؤمن بالله العظيم يقول: افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله في الدنيا، إنه كان لا يصدق بوحدانية الله العظيم.
239
القول في تأويل قوله تعالى: ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون يقول تعالى ذكره مخبرا عن هذا الشقي الذي أوتي كتابه بشماله: إنه كان في الدنيا لا يحض الناس على إطعام أهل المسكنة والحاجة.
239
وقوله: فليس له اليوم هاهنا حميم يقول جل ثناؤه: فليس له اليوم وذلك يوم القيامة هاهنا يعني في الدار الآخرة حميم يعني قريب يدفع عنه، ويغيثه مما هو فيه من البلاء.
239
ولا طعام إلا من غسلين يقول جل ثناؤه: ولا له طعام كما كان لا يحض في الدنيا على طعام المسكين، إلا طعام من غسلين، وذلك ما يسيل من صديد أهل النار. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: كل جرح غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين، فعلين من الغسل من الجراح
240
وقوله: لا يأكله إلا الخاطئون يقول: لا يأكل الطعام الذي من غسلين إلا الخاطئون، وهم المذنبون الذين ذنوبهم كفر بالله.
241
القول في تأويل قوله تعالى: فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون يقول تعالى ذكره: فلا، ما الأمر كما تقولون معشر أهل التكذيب بكتاب الله ورسله، أقسم بالأشياء كلها التي تبصرون
241
وقوله: إنه لقول رسول كريم يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن لقول رسول كريم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم يتلوه عليهم.
242
وقوله: وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون يقول جل ثناؤه: ما هذا القرآن بقول شاعر لأن محمدا لا يحسن قول الشعر، فتقولوا هو شعر. قليلا ما تؤمنون يقول: تصدقون قليلا به أنتم، وذلك خطاب من الله لمشركي قريش. ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون يقول: ولا هو بقول
242
القول في تأويل قوله تعالى: تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين يقول تعالى ذكره: ولكنه تنزيل من رب العالمين نزل عليه. ولو تقول محمد علينا بعض الأقاويل الباطلة، وتكذب علينا لأخذنا منه باليمين يقول:
242
القول في تأويل قوله تعالى: فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم يقول تعالى ذكره: فما منكم أيها الناس من أحد عن محمد لو تقول علينا بعض الأقاويل، فأخذنا منه
245
وقوله: وإنه لتذكرة للمتقين يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن لتذكرة يعني عظة يتذكر به، ويتعظ به للمتقين وهم الذين يتقون عقاب الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
246
وقوله: وإنا لنعلم أن منكم مكذبين يقول تعالى ذكره: وإنا لنعلم أن منكم مكذبين أيها الناس بهذا القرآن. وإنه لحسرة على الكافرين يقول جل ثناؤه: وإن التكذيب به لحسرة وندامة على الكافرين بالقرآن يوم القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
246
وإنه لحق اليقين يقول: وإنه للحق اليقين الذي لا شك فيه أنه من عند الله، لم يتقوله محمد صلى الله عليه وسلم. فسبح باسم ربك العظيم بذكر ربك وتسميته العظيم الذي كل شيء في عظمته صغير.
247
سورة المعارج
248
القول في تأويل قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا قال أبو جعفر: اختلفت القراء في قراءة قوله: سأل سائل فقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة: سأل
248
وقوله: بعذاب واقع للكافرين يقول: سأل بعذاب للكافرين واجب لهم يوم القيامة واقع بهم. ومعنى للكافرين على الكافرين.
250
وقوله: ليس له دافع من الله ذي المعارج يقول تعالى ذكره: ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله دافع يدفعه عنهم.
250
وقوله: ذي المعارج يعني: ذا العلو والدرجات والفواضل والنعم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
250
وقوله: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يقول تعالى ذكره: تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام إليه، يعني إلى الله جل وعز؛ والهاء في قوله: إليه عائدة على اسم الله. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يقول: كان مقدار
251
وقوله: فاصبر صبرا جميلا يقول تعالى ذكره: فاصبر صبرا جميلا، يعني: صبرا لا جزع فيه. يقول له: اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك، ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة.
255
القول في تأويل قوله تعالى: إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المشركين يرون العذاب الذي سألوا عنه، الواقع عليهم بعيدا وقوعه، وإنما أخبر جل ثناؤه أنهم يرون ذلك
255
وقوله: يوم تكون السماء كالمهل يقول تعالى ذكره: يوم تكون السماء كالشيء المذاب، وقد بينت معنى المهل فيما مضى بشواهده، واختلاف المختلفين فيه، وذكرنا ما قال فيه السلف، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
256
وقوله: وتكون الجبال كالعهن يقول: وتكون الجبال كالصوف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
256
وقوله: ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يقول تعالى ذكره: ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه لشغله بشأن نفسه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
257
وقوله: يبصرونهم اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالهاء والميم في قوله: يبصرونهم فقال بعضهم: عني بذلك الأقرباء أنهم يعرفون أقرباءهم، ويعرف كل إنسان قريبه، فذلك تبصير الله إياهم.
257
القول في تأويل قوله تعالى: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه يقول تعالى ذكره: يود الكافر يومئذ ويتمنى أنه يفتدي من عذاب الله إياه ذلك اليوم ببنيه وصاحبته، وهي زوجته، وأخيه وفصيلته،
259
القول في تأويل قوله تعالى: كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى يقول تعالى ذكره: كلا ليس ذلك كذلك، ليس ينجيه من عذاب الله شيء. ثم ابتدأ الخبر عما أعده له هنالك جل ثناؤه، فقال: إنها لظى ولظى: اسم من أسماء جهنم، ولذلك لم يجر.
260
وقوله: نزاعة للشوى يقول تعالى ذكره مخبرا عن لظى إنها تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن؛ والشوى: جمع شواة، وهي من جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا، يقال: رمى فأشوى: إذا لم يصب مقتلا، فربما وصف الواصف بذلك جلدة الرأس كما قال الأعشى: قالت قتيلة ما له قد
261
وقوله: نزاعة قال: تقطع عظامهم كما ترى، ثم يجدد خلقهم، وتبدل جلودهم.
264
وقوله: تدعو من أدبر وتولى يقول: تدعو لظى إلى نفسها من أدبر في الدنيا عن طاعة الله، وتولى عن الإيمان بكتابه ورسله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
264
وقوله: وجمع فأوعى يقول: وجمع مالا فجعله في وعاء، ومنع حق الله منه، فلم يزك ولم ينفق فيما أوجب الله عليه إنفاقه فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
265
القول في تأويل قوله تعالى: إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون يقول تعالى ذكره: إن الإنسان الكافر خلق هلوعا والهلع: شدة الجزع مع شدة الحرص والضجر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
265
وقوله: إذا مسه الشر جزوعا يقول: إذا قل ماله وناله الفقر والعدم فهو جزوع من ذلك لا صبر له عليه. وإذا مسه الخير منوعا يقول: وإذا كثر ماله، ونال الغنى فهو منوع لما في يده، بخيل به، لا ينفقه في طاعة الله، ولا يؤدي حق الله منه.
267
وقوله: إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون يقول: إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة، وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا، فإن أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا، وهو مع ذلك بربه كافر لا يصلي لله. وقيل: عني بقوله:
267
القول في تأويل قوله تعالى: والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون يقول تعالى ذكره: وإلا الذين في أموالهم حق مؤقت، وهو الزكاة للسائل الذي يسأله من ماله، والمحروم الذي قد
269
وقوله: والذين يصدقون بيوم الدين يقول: وإلا الذين يقرون بالبعث يوم البعث والمجازاة.
276
وقوله: والذين هم من عذاب ربهم مشفقون يقول: والذين هم في الدنيا من عذاب ربهم وجلون أن يعذبهم في الآخرة، فهم من خشية ذلك لا يضيعون له فرضا، ولا يتعدون له حدا.
276
وقوله: إن عذاب ربهم غير مأمون أن ينال من عصاه وخالف أمره.
276
القول في تأويل قوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون يقول تعالى ذكره: والذين هم لفروجهم حافظون يعني أقبالهم حافظون عن كل ما حرم الله عليهم وضعها فيه. إلا أنهم غير
276
قوله: فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون فمن التمس لفرجه منكحا سوى زوجته، أو ملك يمينه، ففاعلو ذلك هم العادون، الذي عدوا ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم فهم الملومون.
276
القول في تأويل قوله تعالى: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون يقول تعالى ذكره: وإلا الذين هم لأمانات الله التي ائتمنهم عليها من فرائضه وأمانات عباده التي ائتمنوا عليها، وعهوده
277
والذين هم بشهاداتهم قائمون يقول: والذين لا يكتمون ما استشهدوا عليه، ولكنهم يقومون بأدائها، حيث يلزمهم أداؤها غير مغيرة ولا مبدلة. والذين هم على صلاتهم يحافظون يقول: والذين هم على مواقيت صلاتهم التي فرضها الله عليهم وحدودها التي أوجبها عليهم يحافظون
277
وقوله: أولئك في جنات مكرمون يقول عز وجل: هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال في بساتين مكرمون يكرمهم الله بكرامته.
277
القول في تأويل قوله تعالى: فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما يعلمون يقول تعالى ذكره: فما شأن الذين كفروا بالله قبلك يا محمد مهطعين؛ وقد بينا معنى الإهطاع، وما قال أهل
277
وقوله: عن اليمين وعن الشمال عزين يقول: عن يمينك يا محمد، وعن شمالك متفرقين حلقا ومجالس، جماعة جماعة، معرضين عنك وعن كتاب الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
278
وقوله: أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم يقول: أيطمع كل امرئ من هؤلاء الذين كفروا قبلك مهطعين أن يدخله الله جنة نعيم: أي بساتين نعيم ينعم فيها. واختلف القراء في قراءة قوله: أن يدخل جنة نعيم فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار: يدخل بضم الياء على وجه ما
281
وقوله: كلا إنا خلقناهم مما يعلمون يقول عز وجل: ليس الأمر كما يطمع فيه هؤلاء الكفار من أن يدخل كل امرئ منهم جنة نعيم.
282
وقوله: إنا خلقناهم مما يعلمون يقول جل وعز: إنا خلقناهم من مني قذر، وإنما يستوجب دخول الجنة من يستوجبه منهم بالطاعة، لا بأنه مخلوق، فكيف يطمعون في دخول الجنة وهم عصاة كفرة.
282
القول في تأويل قوله تعالى: فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون يقول تعالى ذكره: فلا أقسم برب مشارق الأرض ومغاربها. إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم يقول:
282
وقوله: فذرهم يخوضوا ويلعبوا يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فذر هؤلاء المشركين المهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين، يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في هذه الدنيا. حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون يقول: حتى يلاقوا عذاب يوم القيامة الذي يوعدونه.
284
القول في تأويل قوله تعالى: يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون وقوله: يوم يخرجون بيان وتوجيه عن اليوم الأول الذي في قوله: يومهم الذي يوعدون وتأويل الكلام: حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه
284
وقوله: إلى نصب يوفضون يقول: كأنهم إلى علم قد نصب لهم يستبقون. وأجمعت قراء الأمصار على فتح النون من قوله: (نصب) غير الحسن البصري، فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد؛ وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل: نصبت الشيء أنصبه نصبا.
285
وأما قوله: يوفضون فإن الإيفاض: هو الإسراع؛ ومنه قول الشاعر: لأنعتن نعامة ميفاضا خرجاء تغدو تطلب الإضاضا يقول: تطلب ملجأ تلجأ إليه؛ والإيفاض: السرعة؛ وقال رؤبة: تمشي بنا الجد على أوفاض وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
285
وقوله: خاشعة أبصارهم يقول: خاضعة أبصارهم للذي هم فيه من الخزي والهوان. ترهقهم ذلة يقول: تغشاهم ذلة. ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون يقول عز وجل: هذا اليوم الذي وصفت صفته، وهو يوم القيامة الذي كان مشركو قريش يوعدون في الدنيا أنهم لاقوه في الآخرة،
287
سورة نوح
288
القول في تأويل قوله تعالى: إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون يقول تعالى ذكره:
288
وقوله: قال يا قوم إني لكم نذير مبين يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه: يا قوم إني لكم نذير مبين، أنذركم عذاب الله فاحذروه أن ينزل بكم على كفركم به مبين يقول: قد أبنت لكم إنذاري إياكم.
288
وقوله: أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه إني لكم نذير مبين بأن اعبدوا الله، يقول: إني لكم نذير أنذركم، وآمركم بعبادة الله واتقوه يقول: واتقوا عقابه بالإيمان به، والعمل بطاعته وأطيعون يقول: وانتهوا إلى ما آمركم به
288
وقوله: يغفر لكم من ذنوبكم يقول: يغفر لكم ذنوبكم. فإن قال قائل: أوليست من دالة على البعض؟ قيل: إن لها معنيين وموضعين: فأما أحد الموضعين فهو الموضع الذي لا يصح فيه غيرها. وإذا كان ذلك كذلك لم تدل إلا على البعض، وذلك كقولك: اشتريت من مماليكك، فلا
289
وقوله: ويؤخركم إلى أجل مسمى يقول: ويؤخر في آجالكم فلا يهلككم بالعذاب، لا بغرق ولا غيره إلى أجل مسمى يقول إلى حين كتب أنه يبقيكم إليه، إن أنتم أطعتموه وعبدتموه، في أم الكتاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
290
وقوله: إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون يقول تعالى ذكره: إن أجل الله الذي قد كتبه على خلقه في أم الكتاب إذا جاء عنده لا يؤخر عن ميقاته، فينظر بعده لو كنتم تعلمون يقول: لو علمتم أن ذلك كذلك، لأنبتم إلى طاعة ربكم.
290
القول في تأويل قوله تعالى: قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا يقول تعالى ذكره: قال نوح لما بلغ قومه رسالة ربه، أو أنذرهم ما أمره به أن
290
وقوله: وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم يقول جل وعز: وإني كلما دعوتهم إلى الإقرار بوحدانيتك، والعمل بطاعتك، والبراءة من عبادة كل ما سواك، لتغفر لهم إذا هم فعلوا ذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا دعائي إياهم إلى ذلك
291
واستغشوا ثيابهم يقول: وتغشوا في ثيابهم، وتغطوا بها لئلا يسمعوا دعائي
291
وقوله: وأصروا يقول: وثبتوا على ما هم عليه من الكفر وأقاموا عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
291
وقوله: واستكبروا استكبارا يقول: وتكبروا فتعاظموا عن الإذعان للحق، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة.
292
القول في تأويل قوله تعالى: ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا يقول: ثم إني دعوتهم إلى ما أمرتني أن أدعوهم إليه جهارا ظاهرا في غير خفاء.
292
وقوله: ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا يقول: صرخت لهم، وصحت بالذي أمرتني به من الإنذار.
292
وقوله: وأسررت لهم إسرارا يقول: وأسررت لهم ذلك فيما بيني وبينهم في خفاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
293
وقوله: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يقول: فقلت لهم: سلوا ربكم غفران ذنوبكم، وتوبوا إليه من كفركم، وعبادة ما سواه من الآلهة ووحدوه، وأخلصوا له العبادة، يغفر لكم إنه كان غفارا لذنوب من أناب إليه، وتاب إليه من ذنوبه.
293
وقوله: يرسل السماء عليكم مدرارا يقول: يسقيكم ربكم إن تبتم ووحدتموه وأخلصتم له العبادة الغيث، فيرسل به السماء عليكم مدرارا متتابعا.
293
القول في تأويل قوله تعالى: ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا
294
وقوله: ويمددكم بأموال وبنين يقول: ويعطكم مع ذلك ربكم أموالا وبنين، فيكثرها عندكم ويزيد فيما عندكم منها ويجعل لكم جنات يقول: يرزقكم بساتين ويجعل لكم أنهارا تسقون منها جناتكم ومزارعكم؛ وقال ذلك لهم نوح، لأنهم كانوا فيما ذكر قوما يحبون الأموال
294
وقوله: ما لكم لا ترجون لله وقارا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: ما لكم لا ترون لله عظمة.
294
وقوله: وقد خلقكم أطوارا يقول: وقد خلقكم حالا بعد حال، طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا مضغة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
297
القول في تأويل قوله تعالى: ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح صلوات الله وسلامه عليه، لقومه المشركين بربهم، محتجا عليهم
299
وقوله: وجعل القمر فيهن نورا يقول: وجعل القمر في السموات السبع نورا وجعل الشمس فيهن سراجا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
299
القول في تأويل قوله تعالى: والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه، مذكرهم نعم ربه: والله جعل لكم الأرض بساطا تستقرون
300
وقوله: لتسلكوا منها سبلا فجاجا يقول: لتسلكوا منها طرقا صعابا متفرقة؛ والفجاج: جمع فج، وهو الطريق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
301
وقوله: قال نوح رب إنهم عصوني فخالفوا أمري، وردوا علي ما دعوتهم إليه من الهدى والرشاد. واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا يقول: واتبعوا في معصيتهم إياي من دعاهم إلى ذلك، ممن كثر ماله وولده، فلم تزده كثرة ماله وولده إلا خسارا، بعدا من الله،
301
وقوله: ومكروا مكرا كبارا يقول: ومكروا مكرا عظيما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
302
القول في تأويل قوله تعالى وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا يقول تعالى ذكره مخبرا عن إخبار نوح، عن قومه: وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا كان
303
وقوله: وقد أضلوا كثيرا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح: وقد ضل بعبادة هذه الأصنام التي أحدثت على صور هؤلاء النفر المسمين في هذا الموضع كثير من الناس فنسب الضلال إذ ضل بها عابدوها إلى أنها المضلة.
305
وقوله: ولا تزد الظالمين إلا ضلالا يقول: ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم بآياتنا إلا ضلالا، إلا طبعا على قلبه، حتى لا يهتدي للحق.
305
القول في تأويل قوله تعالى: مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا يعني تعالى ذكره بقوله: مما خطيئاتهم من خطيئاتهم أغرقوا والعرب تجعل ما صلة فيما نوى به مذهب الجزاء، كما يقال:
306
وقوله: فأدخلوا نارا جهنم فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا تقتص لهم ممن فعل ذلك بهم، ولا تحول بينهم وبين ما فعل بهم.
306
وقوله: وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ويعني بالديار من يدور في الأرض، فيذهب ويجيء فيها وهو فيعال من الدوران ديوارا، اجتمعت الياء والواو، فسبقت الياء الواو وهي ساكنة، وأدغمت الواو فيها، وصيرتا ياء مشددة، كما قيل: الحي القيام من قمت
307
القول في تأويل قوله تعالى: إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح في دعائه إياه على قومه: إنك يا رب إن تذر الكافرين أحياء
307
وقوله: رب اغفر لي ولوالدي يقول: رب اعف عني، واستر علي ذنوبي وعلى والدي. ولمن دخل بيتي مؤمنا يقول: ولمن دخل مسجدي ومصلاي مصليا مؤمنا، يقول: مصدقا بواجب فرضك عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
308
وقوله: وللمؤمنين والمؤمنات يقول: وللمصدقين بتوحيدك والمصدقات.
309
وقوله: ولا تزد الظالمين إلا تبارا يقول: ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم إلا خسارا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
309
سورة الجن
310
القول في تأويل قوله تعالى: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد أوحى الله إلي أنه
310
وقوله: وأنه تعالى جد ربنا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وآمنا بأنه تعالى أمر ربنا وسلطانه وقدرته.
312
وقوله: ما اتخذ صاحبة يعني زوجة ولا ولدا. واختلفت القراء في قراءة قوله: وأنه تعالى فقرأه أبو جعفر القارئ وستة أحرف أخر بالفتح، منها: أنه استمع نفر وأن المساجد لله وأنه كان يقول سفيهنا وأنه كان رجال من الإنس وأنه لما قام عبد الله يدعوه وأن لو استقاموا
317
القول في تأويل قوله تعالى: وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا يقول عز وجل مخبرا عن قيل النفر من الجن الذين استمعوا القرآن وأنه كان يقول سفيهنا وهو
320
وقوله: وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا يقول: قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجن على الله كذبا من القول؛ والظن ههنا بمعنى الشك، وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجن أن تكون علمت أن أحدا يجترئ على الكذب على الله لما سمعت القرآن،
321
وقوله: وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم.
322
وقوله: فزادوهم رهقا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فزاد الإنس بالجن باستعاذتهم بعزيزهم، جراءة عليهم، وازدادوا بذلك إثما.
324
القول في تأويل قوله تعالى: وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجن وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا يعني أن الرجال من الجن ظنوا كما ظن الرجال من
326
وقوله: وأنا لمسنا السماء يقول عز وجل مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنا طلبنا السماء وأردناها فوجدناها ملئت يقول: فوجدناها ملئت حرسا شديدا يعني حفظة وشهبا وهي جمع شهاب، وهي النجوم التي كانت ترجم بها الشياطين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
327
القول في تأويل قوله تعالى: وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا يقول عز وجل: وأنا كنا معشر الجن نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث، وما يكون فيها فمن يستمع الآن فيها
327
وقوله: وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا يقول عز وجل مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجن: وأنا لا ندري أعذابا أراد الله أن ينزله بأهل الأرض، بمنعه إيانا السمع من السماء ورجمه من استمع منا فيها بالشهب أم أراد بهم ربهم رشدا يقول: أم
329
القول في تأويل قوله تعالى: وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيلهم: وأنا منا الصالحون وهم المسلمون
329
وقوله: وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض يقول: وأنا علمنا أن لن نعجز الله في الأرض إن أراد بنا سوءا ولن نعجزه هربا إن طلبنا فنفوته. وإنما وصفوا الله بالقدرة عليهم حيث كانوا. وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به يقول: قالوا: وأنا لما سمعنا القرآن الذي يهدي
331
القول في تأويل قوله تعالى: وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل النفر من الجن: وأنا منا المسلمون الذين قد خضعوا لله بالطاعة ومنا القاسطون وهم الجائرون عن الإسلام وقصد
332
وقوله: فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا يقول: فمن أسلم وخضع لله بالطاعة، فأولئك تعمدوا وترجوا رشدا في دينهم. وأما القاسطون يقول: الجائرون عن الإسلام، فكانوا لجهنم حطبا توقد بهم.
334
القول في تأويل قوله تعالى: وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا يقول تعالى ذكره: وأن لو استقام هؤلاء القاسطون على طريقة الحق والاستقامة لأسقيناهم ماء غدقا يقول: لوسعنا عليهم في الرزق،
334
وقوله: ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا يقول عز وجل: ومن يعرض عن ذكر ربه الذي ذكره به، وهو هذا القرآن؛ ومعناه: ومن يعرض عن استماع القرآن واستعماله. يسلكه عذابا صعدا يقول: يسلكه الله عذابا شديدا شاقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
338
القول في تأويل قوله تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن وأن المساجد لله فلا تدعوا أيها الناس مع الله أحدا ولا
340
وقوله: وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا يقول: وأنه لما قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله يقول: لا إله إلا الله كادوا يكونون عليه لبدا يقول: كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض؛ واحدها: لبدة، وفيها لغتان: كسر
342
القول في تأويل قوله تعالى: قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا اختلفت القراء في قراءة قوله: قل إنما أدعو ربي فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين على وجه الخبر
347
وقوله: قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي العرب الذين ردوا عليك ما جئتهم به من النصيحة: إني لا أملك لكم ضرا في دينكم ولا في دنياكم، ولا رشدا أرشدكم، لأن الذي يملك ذلك، الله الذي له ملك
348
وقوله: قل إني لن يجيرني من الله أحد من خلقه إن أرادني أمرا، ولا ينصرني منه ناصر. وذكر أن هذه الآية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن بعض الجن قال: أنا أجيره.
348
وقوله: ولن أجد من دونه ملتحدا يقول: ولن أجد من دون الله ملجأ ألجأ إليه.
349
القول في تأويل قوله تعالى: إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لمشركي العرب: إني لا أملك لكم ضرا ولا
349
وقوله: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم يقول تعالى ذكره: ومن يعص الله فيما أمره ونهاه، ويكذب به ورسوله، فجحد رسالاته، فإن له نار جهنم يصلاها. خالدين فيها أبدا يقول: ماكثين فيها أبدا إلى غير نهاية.
350
وقوله: حتى إذا رأوا ما يوعدون يقول تعالى ذكره: إذا عاينوا ما يعدهم ربهم من العذاب وقيام الساعة، فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا أجند الله الذي أشركوا به، أم هؤلاء المشركون به.
350
القول في تأويل قوله تعالى: قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا يقول تعالى ذكره لنبيه:
351
وقوله: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول يعني بعالم الغيب: عالم ما غاب عن أبصار خلقه، فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدا، فيعلمه أو يريه إياه إلا من ارتضى من رسول، فإنه يظهره على ما شاء من ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
351
وقوله: فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا يقول: فإنه يرسل من أمامه ومن خلفه حرسا وحفظة يحفظونه.
352
وقوله: ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله: ليعلم فقال بعضهم: عني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: معنى الكلام: ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أبلغت الرسل قبله عن ربها.
354
وقوله: وأحاط بما لديهم يقول: وعلم بكل ما عندهم وأحصى كل شيء عددا يقول: علم عدد الأشياء كلها، فلم يخف عليه منها شيء.
356
سورة المزمل
357
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا يعني بقوله: يا أيها المزمل هو الملتف بثيابه. وإنما عني بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به
357
وقوله: قم الليل إلا قليلا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: قم الليل يا محمد كله إلا قليلا منه. نصفه يقول: قم نصف الليل أو انقص منه قليلا أو زد عليه يقول: أو زد عليه خيره الله تعالى ذكره حين فرض عليه قيام الليل بين هذه المنازل أي ذلك شاء فعل، فكان
358
وقوله: ورتل القرآن ترتيلا يقول جل وعز: وبين القرآن إذا قرأته تبيينا، وترسل فيه ترسلا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
362
القول في تأويل قوله تعالى: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا فقال بعضهم: عنى به إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا العمل به.
364
وقوله: إن ناشئة الليل هي أشد وطئا يعني جل وعز بقوله: إن ناشئة الليل: إن ساعات الليل، وكل ساعة من ساعات الليل ناشئة من الليل. وقد اختلف أهل التأويل في ذلك.
366
وقوله: هي أشد وطئا اختلفت قراء الأمصار في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء مكة والمدينة والكوفة أشد وطئا بفتح الواو وسكون الطاء. وقرأ ذلك بعض قراء البصرة ومكة والشام: (وطاء) بكسر الواو ومد الألف على أنه مصدر من قول القائل: واطأ اللسان القلب مواطأة
369
ويعني بقوله: هي أشد وطئا ناشئة الليل أشد ثباتا من النهار وأثبت في القلب، وذلك أن العمل بالليل أثبت منه بالنهار. وحكي عن العرب: وطئنا الليل وطأ: إذا ساروا فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من أهل التأويل من قرأه بفتح الواو وسكون الطاء، وإن اختلفت
370
وقوله: وأقوم قيلا يقول: وأصوب قراءة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
373
قوله: إن لك في النهار سبحا طويلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن لك يا محمد في النهار فراغا طويلا تتسع به، وتتقلب فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
374
القول في تأويل قوله تعالى واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد اسم ربك فادعه به. وتبتل إليه تبتيلا يقول: وانقطع إليه انقطاعا لحوائجك وعبادتك
377
وقوله: رب المشرق والمغرب اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة بالرفع على الابتداء، إذ كان ابتداء آية بعد أخرى تامة. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بالخفض على وجه النعت، والرد على الهاء التي في قوله: وتبتل إليه. والصواب من القول في ذلك
379
وقوله: لا إله إلا هو يقول: لا ينبغي أن يعبد إله سوى الله الذي هو رب المشرق والمغرب.
380
وقوله: فاتخذه وكيلا فيما يأمرك وفوض إليه أسبابك.
380
وقوله: واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: اصبر يا محمد على ما يقول المشركون من قومك لك، وعلى أذاهم، واهجرهم في الله هجرا جميلا. والهجر الجميل: هو الهجر في ذات الله، كما قال عز وجل: وإذا رأيت
380
القول في تأويل قوله تعالى: وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يعني تعالى ذكره بقوله: وذرني والمكذبين فدعني يا محمد والمكذبين بآياتي أولي النعمة يعني أهل التنعم في الدنيا ومهلهم قليلا يقول: وأخرهم
381
وقوله: إن لدينا أنكالا وجحيما يقول تعالى ذكره: إن عندنا لهؤلاء المكذبين بآياتنا أنكالا، يعني قيودا، واحدها: نكل. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
382
وقوله: وجحيما يقول: ونارا تسعر. وطعاما ذا غصة يقول: وطعاما يغص به آكله، فلا هو نازل عن حلقه، ولا هو خارج منه.
384
وقوله: وعذابا أليما يقول: وعذابا مؤلما موجعا.
385
القول في تأويل قوله تعالى: يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا يقول تعالى ذكره: إن لدينا لهؤلاء المشركين من قريش الذين يؤذونك يا محمد العقوبات التي وصفها في يوم ترجف الأرض والجبال؛ ورجفان ذلك: اضطرابه بمن عليه، وذلك يوم القيامة.
385
وقوله: وكانت الجبال كثيبا مهيلا يقول: وكانت الجبال رملا سائلا متناثرا. والمهيل: مفعول من قول القائل: هلت الرمل فأنا أهيله، وذلك إذا حرك أسفله، فانهال عليه من أعلاه؛ وللعرب في ذلك لغتان، تقول: مهيل ومهيول، ومكيل ومكيول؛ ومنه قول الشاعر: قد
385
القول في تأويل قوله تعالى: إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا يقول تعالى ذكره: إنا أرسلنا إليكم أيها الناس رسولا شاهدا عليكم بإجابة من أجاب منكم دعوتي، وامتناع من امتنع منكم من الإجابة،
386
القول في تأويل قوله تعالى: فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا يقول تعالى ذكره للمشركين به: فكيف تخافون أيها الناس يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم بالله، ولم تصدقوا به. وذكر أن ذلك كذلك في قراءة عبد الله بن
388
وقوله: يوما يجعل الولدان شيبا يعني يوم القيامة، وإنما تشيب الولدان من شدة هوله وكربه.
388
وقوله: السماء منفطر به يقول تعالى ذكره: السماء مثقلة بذلك اليوم متصدعة متشققة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
389
وقوله: كان وعده مفعولا يقول تعالى ذكره: كان ما وعد الله من أمر أن يفعله مفعولا، لأنه لا يخلف وعده، وما وعد أن يفعله تكوينه يوم تكون الولدان شيبا يقول: فاحذروا ذلك اليوم أيها الناس، فإنه كائن لا محالة.
392
القول في تأويل قوله تعالى: إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون
392
وقوله: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم أقرب من ثلثي الليل مصليا، ونصفه وثلثه. اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة بالخفض (ونصفه وثلثه) بمعنى: وأدنى
393
وقوله: وطائفة من الذين معك يعني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا مؤمنين بالله حين فرض عليهم قيام الليل.
393
وقوله: والله يقدر الليل والنهار بالساعات والأوقات.
394
وقوله: علم أن لن تحصوه يقول: علم ربكم أيها القوم الذين فرض عليهم قيام الليل أن لن تطيقوا قيامه فتاب عليكم إذ عجزتم وضعفتم عنه، ورجع بكم إلى التخفيف عنكم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: أن لن تحصوه قال أهل التأويل
394
وقوله: فاقرءوا ما تيسر من القرآن يقول: فاقرءوا من الليل ما تيسر لكم من القرآن في صلاتكم؛ وهذا تخفيف من الله عز وجل عن عباده فرضه الذي كان فرض عليهم بقوله: قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا.
395
وقوله: علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله يقول تعالى ذكره: علم ربكم أيها المؤمنون أن سيكون منكم أهل مرض قد أضعفه المرض عن قيام الليل وآخرون يضربون في الأرض في سفر يبتغون من فضل الله في تجارة قد سافروا لطلب المعاش فأعجزهم،
396
وأقيموا الصلاة يقول: وأقيموا المفروضة وهي الصلوات الخمس في اليوم والليل. وآتوا الزكاة يقول: وأعطوا الزكاة المفروضة في أموالكم أهلها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
398
وقوله: وأقرضوا الله قرضا حسنا يقول: وأنفقوا في سبيل الله من أموالكم.
398
وقوله: وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا يقول: وما تقدموا أيها المؤمنون لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله، أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حج، أو غير ذلك من
398
سورة المدثر
400
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر يقول جل ثناؤه: يا أيها المدثر يا أيها المتدثر بثيابه عند نومه. وذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذلك، وهو متدثر بقطيفة.
400
وقوله: قم فأنذر يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قم من نومك فأنذر عذاب الله قومك الذين أشركوا بالله، وعبدوا غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
404
وقوله: وربك فكبر يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد فعظم بعبادته، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره من الآلهة والأنداد.
405
وقوله: وثيابك فطهر اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا تلبس ثيابك على معصية، ولا على غدرة.
405
وقوله: ولا تمنن تستكثر اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولا تعط يا محمد عطية لتعطى أكثر منها.
412
وقوله: ولربك فاصبر يقول تعالى ذكره: ولربك فاصبر على ما لقيت فيه من المكروه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل على اختلاف فيه بين أهل التأويل.
417
القول في تأويل قوله تعالى: فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا يعني جل ثناؤه بقوله: فإذا نفخ في الصور فذلك يومئذ يوم شديد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
418
وقوله: ذرني ومن خلقت وحيدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كل يا محمد أمر الذي خلقته في بطن أمه وحيدا، لا شيء له من مال ولا ولد إلي. وذكر أنه عني بذلك: الوليد بن المغيرة المخزومي.
421
القول في تأويل قوله تعالى: وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا يقول تعالى ذكره: وجعلت له بنين شهودا، ذكر أنهم كانوا عشرة
424
وقوله: ومهدت له تمهيدا يقول تعالى ذكره: وبسطت له في العيش بسطا.
424
وقوله: ثم يطمع أن أزيد يقول تعالى ذكره: ثم يأمل ويرجو أن أزيده من المال والولد على ما أعطيته. كلا يقول: ليس ذلك كما يأمل ويرجو من أن أزيده مالا وولدا، وتمهيدا في الدنيا. إنه كان لآياتنا عنيدا يقول: إن هذا الذي خلقته وحيدا كان لآياتنا، وهي حجج
425
وقوله: سأرهقه صعودا يقول تعالى ذكره: سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له منها. وقيل: إن الصعود جبل في النار يكلف أهل النار صعوده.
426
القول في تأويل قوله تعالى: إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقته وحيدا، فكر فيما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن،
428
وقوله: ثم أدبر واستكبر يقول تعالى ذكره: ثم ولى عن الإيمان والتصديق بما أنزل الله من كتابه، واستكبر عن الإقرار بالحق. فقال إن هذا إلا سحر يؤثر قال: يأثره عن غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
431
وقوله: إن هذا إلا قول البشر يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الوحيد في القرآن إن هذا إلا قول البشر ما هذا الذي يتلوه محمد إلا قول البشر، يقول: ما هو إلا كلام ابن آدم، وما هو بكلام الله.
432
القول في تأويل قوله تعالى: سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب
432
وقوله: لواحة للبشر يعني جل ثناؤه مغيرة لبشر أهلها؛ واللواحة من نعت سقر، وبالرد عليها رفعت، وحسن الرفع فيها، وهي نكرة، وسقر معرفة، لما فيها من معنى المدح. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
433
وقوله: عليها تسعة عشر يقول تعالى ذكره: على سقر تسعة عشر من الخزنة. وذكر أن ذلك لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو جهل:
435
وقوله: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة يقول تعالى ذكره: وما جعلنا خزنة النار إلا ملائكة. يقول لأبي جهل في قوله لقريش: أما يستطيع كل عشرة منكم أن تغلب منها واحدا؟ فمن ذا يغلب خزنة النار وهم الملائكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
437
وقوله: وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا يقول: وما جعلنا عدة هؤلاء الخزنة إلا فتنة للذين كفروا بالله من مشركي قريش. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
437
وقوله: ليستيقن الذين أوتوا الكتاب يقول تعالى ذكره: ليستيقن أهل التوراة والإنجيل حقيقة ما في كتبهم من الخبر عن عدة خزنة جهنم، إذ وافق ذلك ما أنزل الله في كتابه على محمد صلى الله عليه وسلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
438
وقوله: ويزداد الذين آمنوا إيمانا يقول تعالى ذكره: وليزداد الذين آمنوا بالله تصديقا إلى تصديقهم بالله وبرسوله بتصديقهم بعدة خزنة جهنم.
439
وقوله: ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون يقول: ولا يشك أهل التوراة والإنجيل في حقيقة ذلك والمؤمنون بالله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
440
وقوله: وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون يقول تعالى ذكره: وليقول الذين في قلوبهم مرض النفاق، والكافرون بالله من مشركي قريش ماذا أراد الله بهذا مثلا.
440
وقوله: كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء يقول تعالى ذكره: كما أضل الله هؤلاء المنافقين والمشركين القائلين في خبر الله عن عدة خزنة جهنم: أي شيء أراد الله بهذا الخبر من المثل حتى يخوفنا بذكر عدتهم، ويهتدي به المؤمنون، فازدادوا بتصديقهم إلى إيمانهم
440
وقوله: وما هي إلا ذكرى للبشر يقول تعالى ذكره: وما النار التي وصفتها إلا تذكرة ذكر بها البشر، وهم بنو آدم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
441
القول في تأويل قوله تعالى: كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر يعني تعالى ذكره بقوله: كلا ليس القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابه المشركين خزنة جهنم حتى يجهضهم عنها. ثم أقسم ربنا
441
وقوله: والصبح إذا أسفر يقول تعالى ذكره: والصبح إذا أضاء.
443
إنها لإحدى الكبر يقول تعالى ذكره: إن جهنم لإحدى الكبر، يعني الأمور العظام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
443
وقوله: نذيرا للبشر يقول تعالى ذكره: إن النار لإحدى الكبر، نذيرا لبني آدم. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: نذيرا للبشر وما الموصوف بذلك، فقال بعضهم: عنى بذلك النار، وقالوا: هي صفة للهاء التي في قوله: إنها وقالوا: هي النذير؛ فعلى قول هؤلاء
445
وقوله: لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر يقول تعالى ذكره: نذيرا للبشر لمن شاء منكم أيها الناس أن يتقدم في طاعة الله، أو يتأخر في معصية الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
446
القول في تأويل قوله تعالى: كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين يقول تعالى ذكره: كل نفس مأمورة منهية بما عملت من معصية الله في الدنيا،
447
وقوله: في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر يقول: أصحاب اليمين في بساتين يتساءلون عن المجرمين الذين سلكوا في سقر، أي شيء سلككم في سقر؟ قالوا لم نك من المصلين يقول: قال المجرمون لهم: لم نك في الدنيا من المصلين لله. ولم نك نطعم المسكين بخلا
451
القول في تأويل قوله تعالى: وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين
451
وقوله: وكنا نكذب بيوم الدين يقول تعالى ذكره: قالوا: وكنا نكذب بيوم المجازاة والثواب والعذاب، ولا نصدق بثواب ولا عقاب ولا حساب. حتى أتانا اليقين يقول: قالوا: حتى أتانا الموت الموقن به. فما تنفعهم شفاعة الشافعين يقول: فما يشفع لهم الذين شفعهم الله
452
وقوله: فما لهم عن التذكرة معرضين يقول: فما لهؤلاء المشركين عن تذكرة الله إياهم بهذا القرآن معرضين، لا يستمعون لها فيتعظوا ويعتبروا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
454
القول في تأويل قوله تعالى: كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كلا بل لا يخافون الآخرة يقول تعالى ذكره: فما لهؤلاء المشركين بالله عن التذكرة معرضين، مولين عنها تولية الحمر المستنفرة فرت من قسورة. واختلف القراء في
454
وقوله: فرت من قسورة اختلف أهل التأويل في معنى القسورة، فقال بعضهم: هم الرماة.
455
وقوله: بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء المشركين في إعراضهم عن هذا القرآن أنهم لا يعلمون أنه من عند الله، ولكن كل رجل منهم يريد أن يؤتى كتابا من السماء ينزل عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
460
وقوله: كلا بل لا يخافون الآخرة يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعمون من أنهم لو أوتوا صحفا منشرة صدقوا، بل لا يخافون الآخرة، يقول: لكنهم لا يخافون عقاب الله، ولا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله، وهون عليهم
461
القول في تأويل قوله تعالى: كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة يعني جل ثناؤه بقوله: كلا إنه تذكرة ليس الأمر كما يقول هؤلاء المشركون في هذا القرآن من أنه سحر يؤثر، وأنه قول البشر، ولكنه تذكرة من الله لخلقه
462
وقوله: فمن شاء ذكره يقول تعالى ذكره: فمن شاء من عباد الله الذين ذكرهم الله بهذا القرآن ذكره، فاتعظ فاستعمل ما فيه من أمر الله ونهيه. وما يذكرون إلا أن يشاء الله يقول تعالى ذكره: وما يذكرون هذا القرآن فيتعظون به، ويستعملون فيه، إلا أن يشاء الله أن
463
وقوله: هو أهل التقوى وأهل المغفرة يقول تعالى ذكره: الله أهل أن يتقي عباده عقابه على معصيتهم إياه، فيجتنبوا معاصيه، ويسارعوا إلى طاعته. وأهل المغفرة يقول: هو أهل أن يغفر ذنوبهم إذا هم فعلوا ذلك، ولا يعاقبهم عليها مع توبتهم منها. وبنحو الذي قلنا في
463
سورة القيامة
465
القول في تأويل قوله تعالى: لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه اختلفت القراء في قراءة قوله: لا أقسم بيوم القيامة فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار: لا أقسم لا مفصولة من أقسم، سوى الحسن
465
وقوله: ولا أقسم بالنفس اللوامة اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: اللوامة فقال بعضهم: معناه: ولا أقسم بالنفس التي تلوم على الخير والشر.
469
وقوله: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه يقول تعالى ذكره: أيظن ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرقها، بلى قادرين على أعظم من ذلك، أن نسوي بنانه، وهي أصابع يديه ورجليه، فنجعلها شيئا واحدا كخف البعير، أو حافر الحمار، فكان لا يأخذ ما يأكل إلا
471
القول في تأويل قوله تعالى: بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسأل أيان يوم القيامة فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر يقول تعالى ذكره: ما يجهل ابن آدم أن ربه قادر على أن يجمع عظامه،
474
وقوله: يسأل أيان يوم القيامة يقول تعالى ذكره: يسأل ابن آدم السائر دائبا في معصية الله قدما: متى يوم القيامة؟ تسويفا منه للتوبة، فبين الله له ذلك فقال: فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر الآية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
477
وقوله: فإذا برق البصر اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه أبو جعفر القارئ ونافع وابن أبي إسحاق: (فإذا برق) بفتح الراء، بمعنى شخص، وفتح عند الموت؛ وقرأ ذلك شيبة وأبو عمرو وعامة قراء الكوفة: برق بكسر الراء، بمعنى: فزع وشق.
478
وقوله: وخسف القمر يقول: ذهب ضوء القمر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
481
وقوله: وجمع الشمس والقمر يقول تعالى ذكره: وجمع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما؛ وهي في قراءة عبد الله فيما ذكر لي: " وجمع بين الشمس والقمر " وقيل: إنهما يجمعان ثم يكوران، كما قال جل ثناؤه: إذا الشمس كورت وإنما قيل: وجمع الشمس
481
وقوله: يقول الإنسان يومئذ أين المفر بفتح الفاء، قرأ ذلك قراء الأمصار، لأن العين في الفعل منه مكسورة، وإذا كانت العين من يفعل مكسورة، فإن العرب تفتحها في المصدر منه إذا نطقت به على مفعل، فتقول: فر يفر مفرا، يعني فرا، كما قال الشاعر: يا لبكر
482
وقوله: إلى ربك يومئذ المستقر يقول تعالى ذكره: إلى ربك أيها الإنسان يومئذ الاستقرار، وهو الذي يقر جميع خلقه مقرهم. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
488
القول في تأويل قوله تعالى: ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره يقول تعالى ذكره: يخبر الإنسان يومئذ، يعني يوم يجمع الشمس والقمر فيكوران بما قدم وأخر. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: بما قدم وأخر فقال بعضهم:
488
وقوله: بل الإنسان على نفسه بصيرة يقول تعالى ذكره: بل للإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله، ويشهدون عليه به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
491
وقوله: ولو ألقى معاذيره اختلف أهل الرواية في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: بل للإنسان على نفسه شهود من نفسه، ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من المآثم، وركب من المعاصي، وجادل بالباطل.
493
القول في تأويل قوله تعالى: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تحرك يا محمد بالقرآن لسانك لتعجل به. واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له
496
وقوله: إن علينا جمعه وقرآنه يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه وقرآنه يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
500
وقوله: فإذا قرأناه فاتبع قرآنه اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: تأويله: فإذا أنزلناه إليك فاستمع قرآنه.
502
القول في تأويل قوله تعالى: كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة يقول تعالى ذكره لعباده المخاطبين بهذا القرآن المؤثرين زينة الحياة الدنيا على الآخرة: ليس الأمر كما تقولون أيها الناس
504
وقوله: وجوه يومئذ ناضرة يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذ، يعني يوم القيامة ناضرة: يقول حسنة جميلة من النعيم؛ يقال من ذلك: نضر وجه فلان: إذا حسن من النعمة، ونضر الله وجهه: إذا حسنه كذلك. واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم بالذي قلنا فيه.
505
إلى ربها ناظرة اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: أنها تنظر إلى ربها.
506
وقوله: ووجوه يومئذ باسرة يقول تعالى ذكره: ووجوه يومئذ متغيرة الألوان، مسودة كالحة؛ يقال: بسرت وجهه أبسره بسرا: إذا فعلت ذلك، وبسر وجهه فهو باسر بين البسور. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
510
وقوله: تظن أن يفعل بها فاقرة يقول تعالى ذكره: تعلم أنه يفعل بها داهية؛ والفاقرة: الداهية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
511
القول في تأويل قوله تعالى: كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق يقول تعالى ذكره: ليس الأمر كما يظن هؤلاء المشركون من أنهم لا يعاقبون على شركهم ومعصيتهم ربهم بل إذا بلغت نفس أحدهم التراقي عند مماته
512
وقوله: وظن أنه الفراق يقول تعالى ذكره: وأيقن الذي قد نزل ذلك به أنه فراق الدنيا والأهل والمال والولد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
515
وقوله: والتفت الساق بالساق اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: والتفت شدة أمر الدنيا بشدة أمر الآخرة.
515
وقوله: إلى ربك يومئذ المساق يقول: إلى ربك يا محمد يوم التفاف الساق بالساق مساقه.
522
القول في تأويل قوله تعالى: فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أيحسب الإنسان أن يترك سدى يقول تعالى ذكره: فلم يصدق بكتاب الله، ولم يصل له صلاة، ولكنه كذب بكتاب الله، وتولى فأدبر عن طاعة الله. وبنحو
522
وقوله: ثم ذهب إلى أهله يتمطى يقول تعالى ذكره: ثم مضى إلى أهله منصرفا إليهم، يتبختر في مشيته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
523
وقوله: أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى هذا وعيد من الله على وعيد لأبي جهل:
524
وقوله: أيحسب الإنسان أن يترك سدى يقول تعالى ذكره: أيظن هذا الإنسان الكافر بالله أن يترك هملا، أن لا يؤمر ولا ينهى، ولا يتعبد بعبادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
526
القول في تأويل قوله تعالى: ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى يقول تعالى ذكره: ألم يك هذا المنكر قدرة الله على إحيائه من بعد مماته، وإيجاده من بعد فنائه نطفة يعني: ماء قليلا
526
وقوله: ثم كان علقة يقول تعالى ذكره: ثم كان دما من بعد ما كان نطفة، ثم علقة، ثم سواه بشرا سويا، ناطقا سميعا بصيرا. فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى يقول تعالى ذكره: فجعل من هذا الإنسان بعد ما سواه خلقا سويا أولادا له، ذكورا وإناثا. أليس ذلك بقادر
527
سورة الإنسان
529
القول في تأويل قوله تعالى: هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا يعني جل ثناؤه بقوله: هل أتى على الإنسان قد أتى على الإنسان؛ وهل في هذا الموضع خبر لا جحد، وذلك كقول القائل لآخر
529
وقوله: حين من الدهر اختلف أهل التأويل في قدر هذا الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو أربعون سنة؛ وقالوا: مكثت طينة آدم مصورة لا تنفخ فيها الروح أربعين عاما، فذلك قدر الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع؛ قالوا: ولذلك قيل: هل أتى على
530
قالوا: ومعنى قوله: لم يكن شيئا مذكورا لم يكن شيئا له نباهة ولا رفعة، ولا شرف، إنما كان طينا لازبا وحمأ مسنونا وقال آخرون: لا حد للحين في هذا الموضع، وقد يدخل هذا القول من أن الله أخبر أنه أتى على الإنسان حين من الدهر، وغير مفهوم في الكلام أن يقال
530
وقوله: إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا ذرية آدم من نطفة، يعني: من ماء الرجل وماء المرأة، والنطفة: كل ماء قليل في وعاء كان ذلك ركية أو قربة، أو غير ذلك، كما قال عبد الله بن رواحة: هل أنت إلا نطفة في شنه
531
وقوله: أمشاج يعني: أخلاط، واحدها: مشج ومشيج، مثل خدن وخدين؛ ومنه قول رؤبة بن العجاج: يطرحن كل معجل نشاج لم يكس جلدا في دم أمشاج يقال منه: مشجت هذا بهذا: إذا خلطته به، وهو ممشوج به ومشيج: أي مخلوط به، كما قال أبو ذؤيب: كأن الريش والفوقين منه
531
ذكر من قال ذلك
532
وقوله: نبتليه نختبره وكان بعض أهل العربية يقول: المعنى: جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، فهي مقدمة معناها التأخير، إنما المعنى خلقناه وجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، ولا وجه عندي لما قال يصح، وذلك أن الابتلاء إنما هو بصحة الآلات وسلامة العقل من الآفات،
536
وقوله: فجعلناه سميعا بصيرا يقول تعالى ذكره: فجعلناه ذا سمع يسمع به، وذا بصر يبصر به، إنعاما من الله على عباده بذلك، ورأفة منه لهم، وحجة له عليهم.
537
القول في تأويل قوله تعالى: إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا يعني جل ثناؤه بقوله: إنا هديناه السبيل إنا بينا له طريق الجنة، وعرفناه سبيله، إن شكر، أو كفر. وإذا وجه الكلام إلى هذا المعنى، كانت إما وإما
537
وقوله: إنا أعتدنا للكافرين سلاسل يقول تعالى ذكره: إنا أعتدنا لمن كفر نعمتنا وخالف أمرنا سلاسل يستوثق بها منهم شدا في الجحيم. وأغلالا يقول: وتشد بالأغلال فيها أيديهم إلى أعناقهم.
538
وقوله: وسعيرا يقول: ونارا تسعر عليهم فتتوقد.
538
القول في تأويل قوله تعالى: إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يقول تعالى ذكره: إن الذين بروا بطاعتهم ربهم في أداء فرائضه، واجتناب معاصيه، يشربون من كأس، وهو كل إناء كان فيه شراب. كان مزاجها يقول: كان
538
وقوله: عينا يشرب بها عباد الله يقول تعالى ذكره: كان مزاج الكأس التي يشرب بها هؤلاء الأبرار كالكافور في طيب رائحته من عين يشرب بها عباد الله الذين يدخلهم الجنة. والعين على هذا التأويل نصب على الحال من الهاء التي في مزاجها ويعني بقوله: يشرب بها عباد
539
وقوله: يفجرونها تفجيرا يقول تعالى ذكره يفجرون تلك العين التي يشربون بها كيف شاءوا وحيث شاءوا من منازلهم وقصورهم تفجيرا، ويعني بالتفجير: الإسالة والإجراء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
540
القول في تأويل قوله تعالى: يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا يقول تعالى ذكره: إن الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، بروا بوفائهم لله
541
وقوله: ويخافون يوما كان شره مستطيرا يقول تعالى ذكره: ويخافون عقاب الله بتركهم الوفاء بما نذروا لله من بر في يوم كان شره مستطيرا، ممتدا طويلا فاشيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
542
وقوله: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا يقول تعالى ذكره: كان هؤلاء الأبرار يطعمون الطعام على حبهم إياه، وشهوتهم له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
543
وقوله: مسكينا يعني جل ثناؤه بقوله: مسكينا: ذوي الحاجة الذين قد أذلتهم الحاجة ويتيما وهو الطفل الذي قد مات أبوه ولا شيء له وأسيرا وهو الحربي من أهل دار الحرب يؤخذ قهرا بالغلبة، أو من أهل القبلة يؤخذ فيحبس بحق؛ فأثنى الله على هؤلاء الأبرار بإطعامهم
543
وقوله: إنما نطعمكم لوجه الله يقول تعالى ذكره: يقولون: إنما نطعمكم إذا هم أطعموهم لوجه الله، يعنون طلب رضا الله، والقربة إليه.
546
لا نريد منكم جزاء ولا شكورا يقولون للذين يطعمونهم ذلك الطعام: لا نريد منكم أيها الناس على إطعامناكم ثوابا ولا شكورا. وفي قوله: ولا شكورا وجهان من المعنى: أحدهما أن يكون جمع الشكر كما الفلوس جمع فلس، والكفور جمع كفر. والآخر: أن يكون مصدرا واحدا في
546
القول في تأويل قوله تعالى: إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم أنهم يقولون لمن أطعموه من أهل الفاقة والحاجة: ما نطعمكم طعاما نطلب منكم عوضا على إطعامناكم
546
وقوله: فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا يقول جل ثناؤه: فدفع الله عنهم ما كانوا في الدنيا يحذرون من شر اليوم العبوس القمطرير بما كانوا في الدنيا يعملون مما يرضي عنهم ربهم، لقاهم نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
549
القول في تأويل قوله تعالى: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا يقول تعالى ذكره: وأثابهم الله بما صبروا في الدنيا على طاعته، والعمل بما يرضيه عنهم جنة وحريرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
550
وقوله: متكئين فيها على الأرائك يقول: متكئين في الجنة على السرر في الحجال، وهي الأرائك واحدتها أريكة. وقد بينا ذلك بشواهده، وما فيه من أقوال أهل التأويل فيما مضى بما أغنى عن إعادته، غير أنا نذكر في هذا الموضع من الرواية بعض ما لم نذكره إن شاء الله
551
وقوله: لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا يقول تعالى ذكره: لا يرون فيها شمسا فيؤذيهم حرها، ولا زمهريرا، وهو البرد الشديد، فيؤذيهم بردها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
551
القول في تأويل قوله تعالى: ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا يعني تعالى ذكره بقوله: ودانية عليهم ظلالها وقربت منهم ظلال أشجارها. ولنصب دانية أوجه: أحدها: العطف به على قوله: متكئين فيها. والثاني:
553
وقوله: وذللت قطوفها تذليلا يقول: وذلل لهم اجتناء ثمر شجرها، كيف شاءوا قعودا وقياما ومتكئين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
553
وقوله: ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا يقول تعالى ذكره: ويطاف على هؤلاء الأبرار بآنية من الأواني التي يشربون فيها شرابهم، هي من فضة كانت قوارير، فجعلها فضة، وهي في صفاء القوارير، فلها بياض الفضة وصفاء الزجاج. وبنحو الذي قلنا في ذلك
554
وقوله: وأكواب يقول: ويطاف مع الأواني بجرار ضخام فيها الشراب، وكل جرة ضخمة لا عروة لها فهي كوب.
555
وقوله: كانت قواريرا يقول: كانت هذه الأواني والأكواب قوارير، فحولها الله فضة. وقيل: إنما قيل: ويطاف عليهم بآنية من فضة، ليدل بذلك على أن أرض الجنة فضة، لأن كل آنية تتخذ، فإنما تتخذ من تربة الأرض التي فيها، فدل جل ثناؤه بوصفه الآنية متى يطاف بها
556
القول في تأويل قوله تعالى: قواريرا من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا يقول تعالى ذكره: قوارير في صفاء الصفاء من فضة الفضة من البياض.
556
وقوله: قوارير من فضة قال: صفاء الزجاج في بياض الفضة.
557
وقوله: قدروها تقديرا يقول: قدروا تلك الآنية التي يطاف عليهم بها تقديرا على قدر ريهم لا تزيد ولا تنقص عن ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
557
وقوله: ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا يقول تعالى ذكره: ويسقى هؤلاء القوم الأبرار في الجنة كأسا، وهي كل إناء كان فيه شراب، فإذا كان فارغا من الخمر لم يقل له كأس، وإنما يقال له إناء، كما يقال للطبق الذي تهدي فيه الهدية المهدى مقصورا ما دامت عليه
560
وقال بعضهم: الزنجبيل: اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار
561
وقوله: عينا فيها تسمى سلسبيلا يقول تعالى ذكره: عينا في الجنة تسمى سلسبيلا. قيل: عني بقوله: سلسبيلا: سلسة منقادا ماؤها.
561
القول في تأويل قوله تعالى: ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا يقول تعالى ذكره: ويطوف على هؤلاء الأبرار ولدان، وهم الوصفاء، مخلدون. اختلف أهل التأويل في معنى: مخلدون فقال بعضهم: معنى ذلك:
564
وقوله: إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا يقول تعالى ذكره: إذا رأيت يا محمد هؤلاء الولدان مجتمعين أو مفترقين، تحسبهم في حسنهم، ونقاء بياض وجوههم، وكثرتهم، لؤلؤا مبددا، أو مجتمعا مصبوبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
565
وقوله: وإذا رأيت ثم رأيت نعيما يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا نظرت ببصرك يا محمد، ورميت بطرفك فيما أعطيت هؤلاء الأبرار في الجنة من الكرامة. وعنى بقوله: ثم الجنة رأيت نعيما وذلك أن أدناهم منزلة من ينظر في ملكه فيما قيل في مسيرة
566
وقوله: وملكا كبيرا يقول: ورأيت مع النعيم الذي ترى لهم ثم ملكا كبيرا. وقيل: إن ذلك الملك الكبير: تسليم الملائكة عليهم، واستئذانهم عليهم.
567
القول في تأويل قوله تعالى: عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا يقول تعالى ذكره: فوقهم، يعني فوق هؤلاء الأبرار ثياب سندس. وكان بعض أهل التأويل يتأول قوله: عاليهم فوق حجالهم المثبتة عليهم ثياب سندس وليس ذلك بالقول
567
وقوله: ثياب سندس يعني: ثياب ديباج رقيق حسن، والسندس: هو ما رق من الديباج.
568
وقوله: خضر اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأه أبو جعفر القارئ وأبو عمرو برفع خضر على أنها نعت للثياب، وخفض إستبرق عطفا به على السندس، بمعنى: وثياب إستبرق. وقرأ ذلك عاصم وابن كثير: خضر خفضا وإستبرق رفعا، عطفا بالإستبرق على الثياب، بمعنى: عاليهم
568
وقوله: وحلوا أساور من فضة يقول: وحلاهم ربهم أساور، وهي جمع أسورة من فضة.
569
وقوله: وسقاهم ربهم شرابا طهورا يقول تعالى ذكره: وسقى هؤلاء الأبرار ربهم شرابا طهورا، ومن طهره أنه لا يصير بولا نجسا، ولكنه يصير رشحا من أبدانهم كرشح المسك.
569
القول في تأويل قوله تعالى: إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا يقول تعالى ذكره: يقال لهؤلاء الأبرار حينئذ: إن هذا الذي أعطيناكم من الكرامة كان لكم ثوابا على ما كنتم في الدنيا
571
وقوله: إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا نحن نزلنا عليك يا محمد هذا القرآن تنزيلا، ابتلاء منا واختبارا. فاصبر لحكم ربك يقول: اصبر لما امتحنك به ربك من فرائضه، وتبليغ رسالاته، والقيام بما ألزمك
572
واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد اسم ربك فادعه به بكرة في صلاة الصبح، وعشيا في صلاة الظهر والعصر. ومن الليل فاسجد له يقول: ومن الليل فاسجد له
573
وقوله: ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا قال: كان هذا أول شيء فريضة. وقرأ: يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه ثم قال: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه إلى قوله: فاقرءوا ما تيسر من القرآن إلى آخر الآية، ثم قال: محي هذا عن
574
وقوله: إن هؤلاء يحبون العاجلة يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المشركين بالله يحبون العاجلة، يعني الدنيا، يقول: يحبون البقاء فيها وتعجبهم زينتها. ويذرون وراءهم يوما ثقيلا يقول: ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة، وما لهم فيه النجاة من عذاب الله يومئذ؛ وقد
574
القول في تأويل قوله تعالى نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا يقول تعالى ذكره: نحن خلقناهم هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه. وشددنا أسرهم وشددنا خلقهم، من قولهم: قد أسر هذا الرجل
575
وقوله: وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا يقول: وإذا نحن شئنا أهلكنا هؤلاء وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم أمثالهم من الخلق، مخالفين لهم في العمل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
577
وقوله: إن هذه تذكرة يقول: إن هذه السورة تذكرة لمن تذكر واتعظ واعتبر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
577
وقوله: فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا يقول: فمن شاء أيها الناس اتخذ إلى رضا ربه بالعمل بطاعته، والانتهاء إلى أمره ونهيه، سبيلا
578
القول في تأويل قوله تعالى: وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما يقول تعالى ذكره: وما تشاءون اتخاذ السبيل إلى ربكم أيها الناس إلا أن يشاء الله ذلك لكم لأن الأمر إليه لا إليكم؛ وهو في
578
وقوله: إن الله كان عليما حكيما فلن يعدو منكم أحد ما سبق له في علمه بتدبيركم.
578
وقوله: يدخل من يشاء في رحمته يقول: يدخل ربكم من يشاء منكم في رحمته، فيتوب عليه حتى يموت تائبا من ضلالته، فيغفر له ذنوبه، ويدخله جنته. والظالمين أعد لهم عذابا أليما يقول: الذين ظلموا أنفسهم، فماتوا على شركهم، أعد لهم في الآخرة عذابا مؤلما موجعا،
578
سورة المرسلات
580
القول في تأويل قوله تعالى: والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا اختلف أهل التأويل في معنى قول الله: والمرسلات عرفا فقال بعضهم: معنى ذلك: والرياح المرسلات يتبع بعضها بعضا، قالوا: والمرسلات: هي
580
وقوله: فالعاصفات عصفا يقول جل ذكره: فالرياح العاصفات عصفا، يعني الشديدات الهبوب السريعات الممر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
583
وقوله: والناشرات نشرا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عني بالناشرات نشرا: الريح.
585
وقوله: فالفارقات فرقا اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: عني بذلك: الملائكة التي تفرق بين الحق والباطل.
587
وقوله: فالملقيات ذكرا يقول: فالمبلغات وحي الله رسله، وهي الملائكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
588
وقوله: عذرا أو نذرا يقول تعالى ذكره: فالملقيات ذكرا إلى الرسل إعذارا من الله إلى خلقه، وإنذارا منه لهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
589
القول في تأويل قوله تعالى: إنما توعدون لواقع فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت وإذا الجبال نسفت وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: والمرسلات عرفا، إن الذي توعدون أيها الناس من الأمور
590
وقوله: فإذا النجوم طمست يقول: فإذا النجوم ذهب ضياؤها، فلم يكن لها نور ولا ضوء. وإذا السماء فرجت يقول: وإذا السماء شققت وصدعت. وإذا الجبال نسفت يقول: وإذا الجبال نسفت من أصلها، فكانت هباء منبثا. وإذا الرسل أقتت يقول تعالى ذكره: وإذا الرسل أجلت
590
وقوله: لأي يوم أجلت يقول تعالى ذكره معجبا عباده من هول ذلك اليوم وشدته: لأي يوم أجلت الرسل ووقتت، ما أعظمه وأهوله. ثم بين ذلك: وأي يوم هو؟ فقال: أجلت ليوم الفصل يقول: ليوم يفصل الله فيه بين خلقه القضاء، فيأخذ للمظلوم من الظالم، ويجزي المحسن
593
وقوله: وما أدراك ما يوم الفصل يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأي شيء أدراك يا محمد ما يوم الفصل، معظما بذلك أمره، وشدة هوله.
593
وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: الوادي الذي يسيل في جهنم من صديد أهلها للمكذبين بيوم الفصل.
593
القول في تأويل قوله تعالى ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: ألم نهلك الأمم الماضين الذين كذبوا رسلي، وجحدوا آياتي من قوم نوح وعاد وثمود. ثم نتبعهم الآخرين بعدهم، ممن سلك سبيلهم في الكفر بي
594
القول في تأويل قوله تعالى: ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: ألم نخلقكم أيها الناس من ماء مهين يعني من نطفة ضعيفة.
594
وقوله: فجعلناه في قرار مكين يقول: فجعلنا الماء المهين في رحم استقر فيها فتمكن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
594
وقوله: إلى قدر معلوم يقول: إلى وقت معلوم لخروجه من الرحم عند الله. فقدرنا فنعم القادرون. اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة: فقدرنا بالتشديد. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بالتخفيف. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان
595
وعني بقوله: فقدرنا فنعم القادرون
596
وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول جل ثناؤه: ويل يومئذ للمكذبين بأن الله خلقهم من ماء مهين.
596
القول في تأويل قوله تعالى: ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره منبها عباده على نعمه عليهم: ألم نجعل أيها الناس الأرض لكم كفاتا يقول: وعاء؛ تقول: هذا كفت هذا وكفيته، إذا
596
وقوله: أحياء وأمواتا قال: يدفنون فيها.
598
وقوله: وجعلنا فيها رواسي شامخات يقول تعالى ذكره: وجعلنا في الأرض جبالا ثابتات فيها، باذخات شاهقات.
598
وقوله: وأسقيناكم ماء فراتا يقول: وأسقيناكم ماء عذبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
599
وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول: ويل يومئذ للمكذبين بهذه النعم التي أنعمتها عليكم من خلقي الكافرين بها.
600
القول في تأويل قوله تعالى: انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالت صفر ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بهذه النعم والحجج التي احتج بها عليهم يوم القيامة:
600
وقوله: لا ظليل يقول: لا هو يظلهم من حرها ولا يغني من اللهب ولا يكنهم من لهبها.
601
وقوله: إنها ترمي بشرر كالقصر يقول تعالى ذكره: إن جهنم ترمي بشرر كالقصر، فقرأ ذلك قراء الأمصار: كالقصر بجزم الصاد. واختلف الذين قرءوا ذلك كذلك في معناه، فقال بعضهم: هو واحد القصور.
601
وقوله: جمالات صفر اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: كأن الشرر الذي ترمي به جهنم كالقصر جمالات سود: أي أينق سود؛ وقالوا: الصفر في هذا الموضع، بمعنى السود. قالوا: وإنما قيل لها صفر وهي سود، لأن ألوان الإبل سود تضرب إلى الصفرة
605
وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: ويل يوم القيامة للمكذبين هذا الوعيد الذي توعد الله به المكذيين من عباده.
609
القول في تأويل قوله تعالى: هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بثواب الله وعقابه: هذا يوم لا ينطقون أهل التكذيب بثواب الله
609
وقوله: هذا يوم لا ينطقون يخبر عنهم أنهم لا ينطقون في بعض أحوال ذلك اليوم، لا أنهم لا ينطقون ذلك اليوم كله. فإن قال: فهل من برهان يعلم به حقيقة ذلك؟ قيل: نعم، وذلك إضافة يوم إلى قوله: لا ينطقون والعرب لا تضيف اليوم إلى فعل ويفعل، إلا إذا أرادت
610
وقوله: فيعتذرون رفعا عطفا على قوله: ولا يؤذن لهم وإنما اختير ذلك على النصب وقبله جحد، لأنه رأس آية قرن بينه وبين سائر رءوس الآيات التي قبلها، ولو كان جاء نصبا كان جائزا، كما قال: لا يقضى عليهم فيموتوا وكل ذلك جائز فيه، أعني الرفع والنصب، كما قيل
610
وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذبين بخبر الله عن هؤلاء القوم، وما هو فاعل بهم يوم القيامة.
610
وقوله: هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بالبعث يوم يبعثون: هذا يوم الفصل الذي يفصل الله فيه بالحق بين عباده جمعناكم والأولين يقول: جمعناكم فيه لموعدكم الذي كنا نعدكم في الدنيا الجمع فيه بينكم وبين سائر من كان قبلكم من
611
وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول: ويل يومئذ للمكذبين بهذا الخبر.
611
القول في تأويل قوله تعالى: إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون إنا كذلك نجزي المحسنين ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا عقاب الله بأداء فرائضه في الدنيا، واجتناب معاصيه في ظلال ظليلة، وكن
611
وقوله: كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: يقال لهم: كلوا أيها القوم من هذه الفواكه، واشربوا من هذه العيون كلما اشتهيتم. هنيئا يقول: لا تكدير عليكم، ولا تنغيص فيما تأكلونه وتشربون منه، ولكنه لكم دائم لا يزول، ومريء لا يورثكم أذى
611
وقوله: بما كنتم تعملون يقول جل ثناؤه يقال لهم: هذا جزاء بما كنتم في الدنيا تعملون من طاعة الله، وتجتهدون فيما يقربكم منه.
612
وقوله: إنا كذلك نجزي المحسنين يقول: إنا كما جزينا هؤلاء المتقين بما وصفنا من الجزاء على طاعتهم إيانا في الدنيا، كذلك نجزي ونثيب أهل الإحسان في طاعتهم إيانا وعبادتهم لنا في الدنيا على إحسانهم لا نضيع في الآخرة أجرهم.
612
وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول: ويل للذين يكذبون خبر الله عما أخبرهم به من تكريمه هؤلاء المتقين بما أكرمهم به يوم القيامة.
612
القول في تأويل قوله تعالى: كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ويل يومئذ للمكذبين وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره تهددا ووعيدا منه للمكذبين بالبعث. كلوا في بقية آجالكم، وتمتعوا ببقية أعماركم إنكم مجرمون مسنون بكم سنة من
612
وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذيين الذين كذبوا خبر الله الذي أخبرهم به عما هو فاعل بهم في هذه الآية.
612
وقوله: وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المجرمين المكذبين بوعيد الله أهل التكذيب به: اركعوا، لا يركعون. واختلف أهل التأويل في الحين الذي يقال لهم فيه، فقال بعضهم: يقال ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون.
612
وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول: ويل للذين كذبوا رسل الله، فردوا عليهم ما بلغوا من أمر الله إياهم، ونهيه لهم.
614
القول في تأويل قوله تعالى: فبأي حديث بعده يؤمنون يقول تعالى ذكره: فبأي حديث بعد هذا القرآن، أي أنتم أيها القوم كذبتم به مع وضوح برهانه، وصحة دلائله، أنه حق من عند الله تؤمنون، يقول: تصدقون. وإنما أعلمهم تعالى ذكره أنهم إن لم يصدقوا بهذه الأخبار
614
اسم الکتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
المؤلف :
الطبري، أبو جعفر
الجزء :
23
صفحة :
615
««الصفحة الأولى
«الصفحة السابقة
الجزء :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
الجزء :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
صيغة PDF
شهادة
الفهرست
إن مکتبة
مدرسة الفقاهة
هي مكتبة مجانية لتوثيق المقالات
www.eShia.ir