وقال ابن الجوزي -رحمه اللَّه تعالى-:
"من ظن أن جسد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المودعَ في المدينة خرج من القبر، وحضر في المكان الذي رآه فيه، فهذا جهل لا جهلَ يُشبهه.
فقد يراه في وقتٍ واحدٍ ألفُ شخص، في ألف مكان، على صور مختلفة، فكيف يتصور هذا في شخص واحد" [1].
وقد سبق أن ذكرنا قول القرطبي [2] في استحالة رؤيته -صلى الله عليه وسلم- يقظةً بعد موته.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: "وشذ بعض الصالحين؛ فزعم أنها تقع بعين الرأس حقيقة" [3].
والأدلة على عدم إمكان رؤية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد موته في اليقظة كثيرة، أشرنا إلى كثير منها في المناقشة، ونلخصها فيما يلي:
1 - أن رؤية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقظة من باب العقائد، والعقائد مبنية على التوقيف، فلا يجزم بنفي شيء أو إثباته إلا بدليل يصح الاعتماد عليه، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة ما يدل علي إثباتها، ولم يدَّعِهَا أحد -فيما نعلم- من الصحابة -رضي الله عنهم-، ولا من التابعين ولا من أتباعهم، وهذا من أدلة الاستدلال عند أهل الأصول، وهو ما يعرف عندهم: "بانتفاء المَدْرَك".
أما حديث: "فَسَيَرَاني فِي اليَقَظَةِ"، فقد بينا كلام العلماء على هذه الرواية، ووجه الحق فيها.
2 - أن رؤية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقظة بعد موته في الدنيا مستحيلة شرعًا وعقلًا، وقد سبق بيان ذلك.
(1) "صيد الخاطر" ص (534). [2] تقدم ص (139)، وانظر: "زاد المسلم" (3/ 187).
(3) "شرح المواهب اللدنية" للزرقاني (5/ 299)، و "فتح الباري" (12/ 384).