اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 98
49- فصل: مسألة الصفات
255- عجبت من أقوام يدعون العلم، ويميلون إلى التشبيه، بحملهم الأحاديث على ظواهرها، فلو أنهم أمروها كما جاءت، سلموا؛ لأن من أمر ما جاء، ومر من غير اعتراض ولا تعرض، فما قال شيئًا، لا له ولا عليه.
256- ولكن أقوامًا قصرت علومهم؛ فرأت أن حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعطيل، ولو فهموا سعة اللغة، لم يظنوا هذا، وما هم إلا بمثابة قول الحجاج لكاتبة وقد مدحته الخنساء[2] فقالت:
إِذَا هَبَطَ الحَجَّاجُ أرضًا مريضَةً ... تَتَبَّعَ أَقْصَى دَائِهَا فَشَفَاهَا
شَفَاهَا مِنَ الدَّاءِ العُضَالِ الَّذِي بِهَا ... غُلَامٌ إِذَا هَزَّ القَنَاةَ شَفَاهَا
فلما أتمت القصيدة، قال لكاتبه: اقطع لسانها! فجاء ذاك الكاتب المغفل بالموسى، فقالت له: ويلك! إنما قال: أجزل لها العطاء، ثم ذهبت إلى الحجاج، فقالت: كاد والله يقطع مِقْوَلِي.
257- فكذلك الظاهرية[3] الذين لم يسلموا بالتسليم، فإنه من قرأ الآيات والأحاديث ولم يزد، لم ألُمْه، وهذه طريقة السلف.
1 الطفر: الوثب في ارتفاع. [2] كذا في الأصل، وهذا لا يعقل، إذ الخنساء -وهي تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمية- قد توفيت سنة "24 هـ"، والحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق قد ولد سنة "40هـ" أي بعد وفاتها بست عشرة سنة. والصواب أن التي مدحته هي ليلى الأخيلية، وهي ليلى بنت عبد الله بن الرحال من بني عامر بن صعصعة، كما في الأغاني "11/ 167" وهي شاعرة فصيحة ذكية جميلة، اشتهرت بأخبارها مع توبة بن الحمير، وتوفيت سنة "80هـ". [3] الظاهرية: سميت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسنة، وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس، وإمامها هو داود بن علي بن خلف الأصبهاني، أبو سليمان الملقب بالظاهري "201-270هـ" ومن أئمة الظاهرية ابن حزم الأندلسي.
الطفر1؛ طفرت، وإن علمت أنها لا تطيق، لم تفعل، ولو قتلت.
وليس كل الأبدان تتساوى في الإطاقة، ولقد حمل أقوام من المجاهدات في بداياتهم أشياء أوجبت أمراضًا قطعتهم عن خير، وتسخطت قلوبهم بوقوعها، فعليك بالعلم، فإنه شفاء من كل داء، والله الموفق.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 98