اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 99
فَأَمَّا من قال: الحديث يقتضي كذا، ويحمل على كذا، مثل أن يقول: استوى على العرش بذاته، وينزل إلى السماء الدنيا بذاته، فهذه زيادة فهمها قائلها من الحس لا من النقل.
258- ولقد عجبت لرجل أندلسي يقال له: ابن عبد البر[1]، صنف كتاب التمهيد، فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا، فقال: هذا يدل على أن الله تعالى على العرش؛ لأنه لولا ذلك، لما كان لقوله: ينزل معنى. وهذا كلام جاهل[2] بمعرفة الله عز وجل؛ لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الأجسام، فقاس صفة الحق عليه[3]، فأين هؤلاء واتباع الأثر؟! ولقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون، ثم عابوا المتكلمين.
259- واعلم أيها الطالب للرشاد أنه قد سبق إلينا من العقل والنقل أصلان راسخان، عليهما أمر الأحاديث كلها:
أما النقل؛ فقوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، ومن فهم هذا، لم يحمل وصفًا له على ما يوجبه الحس.
وأما العقل، فإنه قد علم مباينة الصانع للمصنوعات، واستدل على حدوثها بتغيرها، ودخول الانفعال عليها، فثبت له قدم الصانع[4].
260- واعجَبًا كل العجب من رَادٍّ لم يفهم طبيعة الكلام! أليس في الحديث [1] يوسف بن عبد الله التمري القرطبي، أبو عمرو، من كبار حفاظ الحديث، ومؤرخ وأديب، ولد بقرطبة سنة "368هـ"، وتوفي بشاطبة "463هـ". [2] كلام العلماء في حق بعضهم بعضًا لا يلتفت إليه، ولا ينزل بمرتبتهم، ويسمى عند العلماء كلام الأقران. [3] أثبت الله تعالى لنفسه النزول، وأثبت النزول للمخلوق، والفرق بين نزول الخالق ونزول المخلوق، كالفرق بين الخالق والمخلوق: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] . [4] صفات الله توقيفية، ولم يأت وصف الله تعالى بالقدم في شيء نصوص الكتاب والسنة.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 99