responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 41
تَغْيِيره عابث ظَالِم وَلَا يَخْلُو فَاعل الْخيرَات عنْدكُمْ من أَن يكون قَادِرًا على تَغْيِيره وَالْمَنْع مِنْهُ وَلم يُغَيِّرهُ فقد صَار عنْدكُمْ عابثاً ضَرُورَة فقد وَقَعْتُمْ فِيمَا عَنهُ فررتم ضَرُورَة وَإِن قُلْتُمْ أَنه غير قَادر على تَغْيِيره وَلَا الْمَنْع مِنْهُ فَهُوَ بِلَا شكّ عَاجز ضَعِيف وَهَذِه صفة سوء عنْدكُمْ فَهَلا تركْتُم القَوْل بِأَنَّهُ أَكثر من وَاحِد لهَذَا الِاسْتِدْلَال فَإِنَّهُ أصح على أصولكم ومقدماتكم وَأما نَحن فمقدمتكم عندنَا فَاسِدَة بالبرهان الَّذِي ذَكرْنَاهُ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ والمانية تزْعم أَن النُّور كَانَ فِي الْعُلُوّ إِلَى مَا نِهَايَة لَهُ وَأَن الظلمَة فِي السّفل إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ وَأَن كل وَاحِد مِنْهَا متناهي المساحة من الْجِهَة الَّتِي لَاقَى مِنْهَا الآخر وَغير متناه من جهاته الْخمس وَأَن اللَّذَّة للنور خَاصَّة لَا للظلمة وَأَن الْأَذَى للظلمة خَاصَّة لَا للنور
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ فَأَما بطلَان هَذَا القَوْل فِي عدم التناهي من الْجِهَات الْخمس فَيفْسد بِمَا أَوجَبْنَا بِهِ تناهي جسم الْعَالم وَأما قَوْلهم بالعلو والسفل فَظَاهر الْفساد لِأَن السّفل لَا يكون إِلَّا بِالْإِضَافَة وَكَذَلِكَ الْعُلُوّ فَكل علو فَهُوَ سفل لما فَوْقه حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الصفحة الْعليا الَّتِي لَا صفحة فَوْقهَا وَهُوَ لَا يقرونَ بهَا وكل سفل فَهُوَ علو لما تَحْتَهُ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى المركز وهم لَا يقرونَ بهَا فصح ضَرُورَة أَن فِي الظلمَة على قَوْلهم علوا وَأَن فِي النُّور سفلاً
وَأما قَوْلهم فِي اللَّذَّة والأذى ففاسد جدا لِأَن اللَّذَّة لَا تكون إِلَّا بِالْإِضَافَة وَكَذَلِكَ الْأَذَى فَإِن الْإِنْسَان لَا يتلذ بِمَا يلتذ بِهِ الْحمار ويتأذى بِمَا لَا يتَأَذَّى بِهِ الأفعى فَبَطل هُوَ سهم بِيَقِين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
سُؤال غلى المانية دامغ لقَولهم بحول الله وقوته وَهُوَ أَن يُقَال لَهُم ألهذه الأجساد أنفس أم لَا فَإِن قَالُوا لَا قيل لَهُم فَهَذِهِ الأجساد لَا تحلو على أصولكم من أَن يكون فِي كل جَسَد مِنْهَا نور وظلمة أَو يكون بعض الأجساد نورا مَحْضا وَبَعضهَا ظلمَة مَحْضَة فَإِن قَالُوا فِي كل جَسَد نور وظلمة قيل لَهُم فَهَل يجوز من الظلمَة فعل الْخَيْر فَلَا بُد من لَا لِأَنَّهُ لَو فعل الْخَيْر لانتقلت إِلَى النُّور وَكَذَلِكَ لَا يجوز أَن يفعل النُّور شرا لِأَنَّهُ كَانَ يصير ظلمَة فَيُقَال لَهُم فإي معنى لدعائكم إِلَى الْخَيْر ونهيكم عَن النِّكَاح وَالْقَتْل وأخبرونا من تدعون إِلَى كل ذَلِك فَإِن كُنْتُم تدعون النُّور فَهُوَ طبعه وَهُوَ فَاعل لَهُ بطبعه قبل أَن تَدعُوهُ إِلَيْهِ لَا يُمكنهُ أَن يحول عَنهُ فدعاؤكم لَهُ إِلَى مَا يَفْعَله وأمركم لَهُ يتْرك مَا لَا يَفْعَله عَبث من النُّور دَاع إِلَى الْمحَال وَهَذَا خلاف أصلكم وَإِن كُنْتُم تدعون الظلمَة فَذَلِك عَبث من النُّور لَهَا إِلَى ذَلِك إِذْ لَا سَبِيل لَهَا إِلَى ترك طبعها وَكَذَلِكَ يُقَال لَهُم سَوَاء بِسَوَاء إِن قَالُوا إِن من الأجساد مَا هُوَ نور مَحْض وَمِنْهَا مَا هُوَ ظلمَة مَحْضَة وَهَكَذَا يسئلون فِي الْأَرْوَاح أَن أقرُّوا بهَا ثمَّ يسئلون عَمَّن رَأَيْنَاهُ ينْكح وَيقتل وَيظْلم ويكذب

اسم الکتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 41
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست