responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي    الجزء : 1  صفحة : 98
قال الواقدي كان إبراهيم بن المهدي قد ادعى الخلافة لنفسه بالري وأقام مالكها سنة واحد عشر شهراً وأثنى عشر يوماً وله أخبار كثيرة أحسنها عندي ما حكاه لي قال: لما دخل المأمون الري وطلبني أشد الطلب وجعل لمن أتاه بي مائة ألف درهم فخفت على نفسي وتحيرت في أمري فخرجت من داري وقت الظهر وكان يوماً صائفا وما أدري أين أتوجه فمررت على وجهي حتى وقعت في وقاق لا ينفد فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون إن عدت على أثرى يرتاب بي فرأيت في صدر الزقاق عبداً أسود وهو قائم على باب دار فتقدمت إليه فقلت له أعندك موضع أقيم فيه ساعة من نهار فقال نعم وفتح الباب فدخلت إلى دار نظيفة فيه حصيرة نظيفة ومخدة جلد إلا أنها نظيفة ثم أغلق الباب عليّ ومضى لسبيله فتوهمته قد جعل الجعالة فيّ وأنه خرج ليدل على فبقيت على مثل النار قلقا فبينما أنا كذلك إذ أقبل ومعه حمال عليه كل ما يحتاج إليه من خبز ولحم وقدر جديد وحرة نظيفة وكيزان جدد فحط عن الحمال والتفت إلى وقال جعلني الله فداك أنا رجل حجام وأنا أعلم أنك تتقذر مني لما أتولاه من معيشتي فشأنك بما لم تقع عليه يد وكان لي حاجة إلى الطعام فطبخت لنفسي قدرا ما أذكر أني أكلت مثله فلما قضيت أربي من الطعام قال لي هل لك من شراب فأنه يسلي الهم ويطيب العيش ويدفع عن النفس الغم قلت ما أكره ذلك رغبة في أن أؤانسه فأتى بقطرمين جديد لم تمسه يد وجاءني بذتين من شراب مطيبة وقال لي روق نفسك فروقت شراباً نهاية في الجودة وأحضر لي قدحا جديدا وفاكهه ونقلا مختلفة في طسوت فخار جدد ثم قال لي بعد ذلك أتأذن لي جعلت فداك أن أقصد ناحية عنك وآتى بنبيذ لي فأشرب منه سرورا بك فقلت له أفعل فشرب وشربت ثلاثاً ثم دخل إلى خزانته فأخرج عودا مصلحا ثم قال يا سيدي ليس من قدري أن أسألك تغني ولكن قد وجب على مروءتك وحرمتي فإن أردت بأن تشرف عبدك بأن تغني لنفسك فأفعل فقلت ومن أين لك أني أحسن الغناء فقال متعجباً سبحان الله أشهر من ذلك أنت إبراهيم بن المهدي خليفتنا بالأمس الذي جعل المأمون لمن دل عليك مائة ألف درهم فلما قال ذلك عظمت هيبته ومروءته عندي وعلمت أن نخوته أجل من المال الذي بذلته في فتناولت العود فأصلحته وغنيت وقد مر بخاطري فراق أهلي وولدي:
وعسى الذي أهدي ليوسف أهله ... وأعزه في السجن وهو أسير
أن يستجيب لنا فيجمع شملنا ... والله رب العالمين قدير
فقال يا سيدي أجعل الذي تغنيه ما يقتضيه حالك فقلت نعم فقال غن لي:
أن الذي عقد الذي انعقدت به ... عقد المكارة فيك يحسن حلها
فاصبر فإن الله يعقب راحة ... ولعلها أن تنجلي ولعلها
فغنيته ولم أكن أحسن لحنه ولكني لحنته وتفاءلت به وحسن عندي إيراده فشرب وشربت وقال غن لي يا سيدي فقلت:
فلا تجزع وأن أعسرت يوما ... فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تيأس فإن اليأس كفر ... لعل الله يغني عن قليلي
ولا تظن بربك غير خير ... فإن الله أولى بالجميل
وكنت أعرفه فغنيت وشربت فقال الله درك على لله يد إذ آنسني بمثلك وما كنت أحسب أن الزمان يسمح لي بكونك في منزلي فإن رأيت أن تغني لي فقلت:
وإذا تنازعني أقول لها اصبري ... موت بريحك أو علو المنبر
ما قد قضى الرحمن فاصطبري له ... ولك الأزمان من الذي لم يقدر
فغنيته وحسن في روحي اقتضاءه وآنست به واستظرفته ثم قال لي يا سيدي أتأذن لي أن أغني ما سنح وأن كنت من غير أهل هذه الصناعة فقلت له زيادة في أدبك ومروءتك فأخذ العود وغنى:
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا
وذاك لأن النوم يغشى عيونهم ... سريعا ولا يغشى النوم لنا أعينا
إذا ما بدا الليل المضر بذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذا رنا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
فوالله لقد أحسنت بالبيت قد سرني وذهب عني كل ما كنت فيه من الهلع وسألته أن يغني فغنى:
تعيرنا أنا قليل عدادنا ... فقلنا لها أن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
وإنا لقوم لا نرى القتل سنة ... إذا ما رأته عامر وسلول

اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي    الجزء : 1  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست