responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي    الجزء : 1  صفحة : 95
يا أمير المؤمنين خرجت يوماً متنكراً أنظر إلى سكك بغداد فاستهوى بي التفرج وانتهى بي المشي إلى موضع شممت فيه روايح طعام وأبازير قد تاقت نفسي إليها ووقفت يا أمير المؤمنين لا أقدر على المضي فرجعت بصرى فإذا شباك ومن خلفه كف ومعصم ما رأيت أحسن منه فوقفت حائراً ونسيت روايح الطعام بذلك الكف والمعصم فأخذت في أعمال الحيلة في الوصول فنظرت فإذا بخياط قريب من ذلك الموضع فقدمت إليه وسلمت عليه فرد علي فقلت يا سيدي لمن هذه الدار قال يا سيدي لرجل من البزازين قلت فما اسمه قال فلان ابن فلان قلت هو ممن يشرب الخمر قال نعم وأظن اليوم عنده وليس ينادم إلا تجاراً مثله فبينما نحن في الكلام إذ أقبل رجلان راكبان فقال هؤلاء ندماؤه فقلت ما أسماؤهما وما كناهما فقال فلان وفلان فحركت دابتي فلحقتهما وقلت جعلت فداكما قد استبطأكما أبو فلان أعزه الله وسايرتهما حتى أتيا الباب فدخلت ودخلا فلما رآني صاحب المنزل معهما لم يشك في أني منهما بسبيل فرحب بي وأجلسني في أفضل المواضع ثم جئ بالمائدة ونقل إليها الألوان فكان طعمها يا أمير المؤمنين أطيب من رائحتها فقلت في نفسي هذه الألوان قد من الله على ببلوغ الغرض منها يبقى الكف والمعصم ثم جئ بالضوء فغسلنا ثم نقلنا إلى مجلس المنادمة فإذا هو أشكل منزل وأظرفه في سائر أموره وجعل صاحب المنزل يلطف ويقبل عليّ في الحديث لظنه أني ضيف لاضيافه وهم على مثل ذلك يظنون أن إكرامه لي عن معرفة متقدمة وصداقة حتى شربنا أقداحا خرجت علينا جارية كأنها غصن بان في غاية الظرف وحسن الهيئة فسلمت غير خجلة وأتيت لها وسادة فجلست وأتى بعود فأخذته وحبسته أحسن حبس واندفعت تغني فغنت:
توهمها طرفي فأصبح خدها ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر
وصافحها كفي فآلم كفها ... فمن لمس كفي في أناملها عقر
فهيجت يا أمير المؤمنين بلبالي وطربت لحسن شعرها وحذقها ثم اندفعت فغنت أيضاً:
أشرت إليها هل عرفت مودتي ... فردت بطرف العين إني على العهد
فحدت عن الإظهار حفظاً لسرها ... وحادت عن الإظهار حفظاً على عهد
فجاءني من الطرب ما لم أملك معه نفسي وطرب القوم طرباً شديداً ثم غنت:
أليس عجيبا أن بيتا يضمن ... وإياك لا تخلو ولا تتكلم
سوى أعين تبدي سرائر نفس ... وتقطيع أنفاس على النار تضرم
إشارة أفواه وغمز حواجب ... وتكسير أجفان وكف تسلم
فحسدتها على حذقها يا أمير المؤمنين وأصابتها معنى الشعر لأنها لم تخرج من الفن الذي ابتدأت فيه فقلت قد بقي عليك يا جارية شيء فرمت بالعود وقالت متى كنتم تحضرون في مجالسكم البغضاء فندمت على ما كان مني ورأيت القوم كأنهم تنكروا بي فقلت في نفسي فاتني جميع ما أملت أن لم أتلافي قضيتي فقلت أثم عود قالوا نعم فأتيت بعود مليح الصنعة فأصلحت ما أردت ثم اندفعت فغنيت:
ما للمنازل لا تجيب حزينا ... أصم أم قدم الليل البلا فبلينا
روح الفتية دوحة مذكورة ... إن مت متنا وإن حييت حيينا
فما استتميت يا أمير المؤمنين حتى وثبت الجارية على رجلي تقبلها وتقول معذرة إليك والله ما علمت مكانكم ولا سمعت مثل هذه الصنعة من أحد ثم زاد القوم في إكرامي وتبجيلي وطربوا غاية الطرب وشربوا بالطاسات، فلما رأيت طربهم اندفعت فغنيت:
أبي الله أن تمسين لا تذكرينني ... وقد سمحت عيناي من ذكرك الدما
إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل مني وتبدي علقما
فردى مصاب القلب أنت قتلته ... فلا تتركيه ذاهب العقل مغرما
إلى الله أشكو أنها أجنبية ... أكون لها ما عشت بالود محرما
فرأيت من طرب القوم شيئاً خشيت أنهم فارقوا عقولهم فأمسكت عنهم ساعة ثم راجعت أمرهم لما هدأت نفوسهم واندفعت وغنيت:
هذا محبك مطويا على كمده ... صب مدامعه تجري على جسده
له يد تسأل الرحمن راجية ... مماته ويد أخرى على كبده
يا من رأى كفا مستنهريا دفقا ... كانت منيته في طرفه ويده

اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي    الجزء : 1  صفحة : 95
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست