اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 74
فيمن وصفها من الشعراء الأعيان
القول في الكرمة: الكرم أكرم الشجر جوهرا وأشرفها محتدا وعنصرا منافعها عظيمة وعوائدها جسيمة وثمرها يزهى على جميع الثمار طيبا ومنفعة ومواد الشرب فيما يستخرج منه مستجععة وينبغي أن يختار لها أرض معتدلة رطبة لا مفرطة الرخاوة ولا صلبة ولا يكثر سقيها فيصير ما يعصر منها رقيقا مائيا ولا يفرط في تعطيشها فيكون يابسا ناريا ويعتمد تزبيل أرضها باخثاء البقر فإنها حافظة لما استودعته دون غيرها من الشجر وألا يغرس ما يضادها في أقرب مواضعها ولا يلاصقها إلا ما يقاربها في طبائعها فيجتنب الدفلى والدلب والخروع وما يشاكلها وتجاور الورد والتفاح واللوز والخوخ وما يماثلها والتفاح أشبهها به.
نكتة حسنة: قال أبو مسلم الخراساني صاحب الدعوة لسليمان بن كثير بلغني أنك كنت في مجلس قد جرى بين يديك فيه ذكرى فقلت اللهم سود وجهه واقطع عنقه واسقني من دمه فقال نعم قلته ونحن في الكرم الحصرم لما نظرت إليه فاستحسن قوله وعفا عنه لسداد جوابه.
القول على ثمرها أجمع العجم والعرب على أن رأس الفاكهة التين والعنب لأنهما بهديان الخصب إلى الجسوم ونفذوا أنهما غذاء غير مذموم وعقيد العنب إذا طبخ نفع من بعض الخوانيق وقطع الرطوبات المضرة بالحلوق وقد ورد في الخبر المأثور ما هو عند أصحاب الحديث مشهور وهو كلوا الزبيب فإنه يطفئ الغضب ويذهب الوصب ويشد العصب ويرضى عن الرب، وأطيب العنب ما اخضر عوده وتسلسل عنقوده وتدفق ماؤه ورق لحاؤه وقل عجمه واستجلاه مستطعمه وأفضل الأشربة ما اتخذ منه وهو الخمر لما فيها من الفضائل ولما انفردت به من شريف الخصائل فالألسنة منبسطة بنشر محاسنها والمدايح مشوقة إليها من أفضل معادنها والنفوس بمحبتها كلفه والقلوب إلى ما تجتنيه منها متشوفة من اعتياد شربها لم يصبر عنها ومن لم يذقها ورآها دعاه نسيمها ولونها إلى الأخذ بحظ وافر منها وما أحسن قول ابن المعتز فيها:
معتقة صاغ المزاج لرأسها ... أكاليل در ما لمنظومها سلك
جرت حركات الدهر فوق سكونها ... فذابت كذوب التبر أخلصه السبك
وأدرك منها الآخرون بقية ... من الروح في جسم أضر به النهاك
وقد خفيت من صوفها فكأنها ... بقايا يقين كاد يذهبه الشك
وقال القاضي الفاضل رحمة الله عليه:
لها متن تصفو على الشرب أربع ... وواحدة لولا سماحتها تكفى
سرور إلى القلب وتبر إلى يد ... ونور إلى عين وعطر إلى أنف
ولما رأينا ياسمين حبابها ... مددنا يمين القطف قبل فم الرشف
وقال مجير الدين بن عبد الظاهر:
خمرة للشقيق أمست شقيقة ... بنت كرم بالمكرمات خليقة
قال قوم من لطفها هي في الكأ ... س مجاز الكاس قالت حقيقة
كيف تغدو عتيقة لدنان ... وهي في قبضة الندامى رقيقة
أنتجت فرحة وجاءت بكاس ... صبغت حمرة فنعم العقيقة
هي مخلوقة من الماء فاعجب ... كيف نار من مزنة مخلوقة
كم تبدت بها معاني سرور ... بسوي الماء لم تكن مطروقة
سلفتنا على العقول وقالت ... يتولى الجناب كتب الوثيقة
حملت همنا فحمدا وشكرا ... لعجوز على بنيها شفوقة
كم بكت بالدموع منها الرواوي ... ق وجاءت جيوبها مشقوقة
أتراني أعصى إلهي فيها ثم ... أخشى من أن يقول الخليقة
وما أحسن قوله ملغزا في شملة وإن لم يكن مما فيه لكن الشيء بالشيء يذكر بلوازمه ومشمولة رقت وراقت فأصبحت:
على الشرب تزهى حين ... تهدى إلى الكاس
معتقة ما شمست بعد عصرها ... لائم وكم فيها منافع للناس
ولا عصرت يوما برجل ولا لها ... إذا ما أديرت من صعود إلى الرأس
وقال ديك الجن عبد السلام بن رعبان الحمصي (مولده سنة إحدى وستين ومائة وتوفي سنة ست وثلاثين ومائتين) :
بها غير معذور فداو خمارها ... وصل بعشيات الغبوق ابتكارها
فقم أنت واحتث كأسها غير صاغر ... ولا تشق إلا خمرها وعقادها
فقام يكاد الكأس تحرق كفه ... من الشمس أو من وجنتيه استعارها
ظللنا بأيدينا نتعتع روحها ... فيأخذ من أقدامنا الراح ثارها
موردة من كف ظبي كأنما ... تناولها من خده فأدارها
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 74