responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي    الجزء : 1  صفحة : 69
حكى أن المتنبي كان يأبى شرب الخمرة ويكرهه فألزمه سيف الدولة بن حمدان فشرب ذات ليلة عنده ففرطت منه فارطة بأن قبل غلاما ومازحه ثم ندم لوقته فقام وانصرف وبقي أياما لا يحضر مجلسه فأكثر بطلبه حتى حضر فأمره بالشرب فامتنع وأقسم أنه لا يشرب أبدا خمرا وأنشأ يقول:
رأيت المدامة غلابة ... تهيج للمرء أشواقه
تسيء من المرء تأديبه ... ولكن تحسن أخلاقه
وبالأمس مت بها موتة ... وهل يشتهي الموت من ذاقه
فعفاه من الشرب.
وإذا ألزم العاقل الشرب في مجالس الملوك فلا يشرب فإن غلب لزم الصمت والسكوت وتكلفه إلا أن يسأل فيرد جوابا مختصرا..
وحكي أن نصيبا كان يجالس عبد الملك بن مروان ويؤاكله ويجلس قريبا منه فألزمه بالشرب فقال يا أمير المؤمنين لست لك بقرابة ولا لي عليك يد بيضاء ولا أنا ذو حسب ونسب وإنما أنا عبد أسود قربني منك أدبي وعقلي فيأبى بك أن تسلبني أدبي وعقلي الذي قربني منك فعجب منه وعفاه.
وينبغي ألا يشربها أبدا الحمقى والسفهاء والجهال حتى يخرجون في فجورهم وسفههم وتكثر حماقتهم.
وقال أبو نواس رحمه الله تعالى:
والخمر قد يشربها معشر ... ليسوا إذا عدوا بأكفائها
وقال آخر:
وقد تعرف الجهال من حلمائنا ... إذا ما تعاطينا الكئوس تعاطيا
تزيد حمياها السفيه سفاهة ... وتترك ألباب الرجال كما هيا
وجدت أقل الناس عقلا إذا انتشى ... أقلهم عقلا إذا كان صاحيا
عليك دليل من صحبت فلا يكن ... جليسك من يحكي إليك المساويا
وقال آخر:
على قدر عقل المرء في حال صحوه ... يؤثر فيه الخمر في حال سكره
فيأخذ من عقل كثير أقله ... ويأتي على العقل اليسير بأسره
قال المأمون الشراب ستر فانظر مع من تهتكه وقال الجماز حرم النبيذ على ثلاثة عشر نفسا على من غنى الخطأ واتكأ على اليمين وأكثر أكل النقل وكسر الزجاج وسرق الريحان وبل ما بين يديه وطلب العشاء وقطع اللمة وحبس أول قدح وأكثر الحديث وامتخط في منديل الشراب وبات في موضع لا يحتمل المبيت ولحن المغنى ونقلت من خط الحافظ جمال الدين اليغمودي من مجاميعه المسماة بكنوز الفوائد ومعادن الفرائد ما صورته لما تقلد كسرى أنوشروان مملكته عطف على الصبوح والغبوق فكتب إليه وزيره رقعة يقول فيها إن في إدمان الملك الشراب ضررا على الرعية والوجه تخفيف ذلك والنظر في أمور المملكة فوقع على ظهر الرقعة إذا كانت سبلنا آمنة وسيرتنا عادلة والدنيا باستقامتنا عامرة وعمالنا بالحق عاملة فلم نمنع فرحة عاجلة.
قال سليمان أخطأ كسرى من وجوه أحدها أن الإدمان إفراط والإفراط مذموم وآخر أنه حمل أن أمن السبل وعدل السيرة وعمارة الدنيا والعمل بالحق لم يوكل به الطرف الساهر ولم يحظ بالعناية التامة ولم يحفظ بالاهتمام الجالب لدوام النظام مع أنه متى كان كذلك دب إليها النقص والنقص باب الانتقاص مزيل للأصل مزعزع للدعامة وآخر أن الزمان أعز من أن يبذل كله للأكل والشرب والتلذذ والتمتع فإن في تكميل النفس الناطقة باكتساب الرشد لها وإبعاد الغي عنها ما يستوعب أضعاف العمر فكيف إذا كان العمر قصيرا وكان ما يدعو إليه الهوى كثيرا وآخر أنه ذهب عليه أن العامة والخاصة إذا وقفت على اشتهار الملك بالذات وانهماكه في طلب الشهوات ازدرته واستهانت به وجذبت عنه بأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير.
وما أحسن ما قال الأديب الفاضل أبو عبد الله محمد بن الرفا الرصافي من رصافة قرطبة رحمه الله تعالى وقد مر بروضة نزهة فتذكر جلوسه فيها مع رفقة له كانوا أعزاء على قلبه:
سلى خميلتك الريا بآية ما ... كانت ترف بها ريحانة الأدب
عن فتية نزلوا أعلى أسرتها ... عفت محاسنهم إلا من الكثب
محافظين على العليا وربتما ... هزوا السجايا قليلا بابنة العنب
حتى إذا ما قضوا من كأسها وطرا ... وضاحكوها إلى حد من الطرب
راحوا رواحا وقد زيدت عمائمهم ... حلما ودارت على أبهى من الشهب
لا يظهر السكر حالا من ذوائبهم ... إلا التفاف الصبا في السن العذب

اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي    الجزء : 1  صفحة : 69
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست