اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 266
خرج الحيص بيص الشاعر ليلة من دار الوزير شرت الدين أبى الحسن على بن طراد الزيني فنبح عليه جرو كلب وكان متقلدا سيفا فوكزه بعقب السيف فمات وكان هبة الله بن الفضل القطان بينه وبين الحيص بيص وقائع فكتب رفعة وعلقها في عنق كلبة لها جرو ورتب معها من طردها وأولادها إلى باب الوزير كالمستغيثة به فأخذت الورقة وقرئت على الوزير فإذا فيها مكتوب:
يا أهل بغداد أن الحيص بيص أتى ... بفعلة أكسبته الخزى في البلد
هو الجبان الذي أبدى تشاجعه ... على جرو ضعيف البطش والجلد
وليس في يده مال يفديه به ... ولم يكن لسواء عنه في القود
فأنشدت جعدة من بعد ما احتس ... بت دم الابيلق عند الواحد الصمد
تقول للنفس يأسى وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم تكد
كلاهما خلف من بعد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدى
قلت ومن ملح المداعبات ما كتب به الشيخ جمال الدين بن نباتة إلى الشيخ بدر الدين حسن الغزى الشهير بالزغارى صورة إجازة أما بعد حمد الله الذي جعلنا ممن كرم من البشر والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاسئ من فجر وعلى آله وصحبه ما نبح الكلب ضوء القمر فقد قرأ على لازال صائدا للحمد من مكمنه صائلا على القرن من مأمنه نازلاً منازل العواء في أحسن أفق وأحصنه هذه الفلذة من شعري قراءة أبتغ بها الإحسان أثرا ودل على جودة القراءة وطالما دل على جود القرى ووحدته قد فاق جرو لا خطابا وافتخر على الكلبي وابنه نسبا وآداباً وبلفت مفاخر قومه على زعم القائل فلا عمر أبلغت ولا كلابا وعلا ذروة لو سامها ابن كلاب لما قرعها بل ولو نبحها كوكب الكلب المقدم لما بلغها صوته ولا سمعها والتقى صوت الآداب منه كاد ورايح وامتزج عليها بجوارحه فحبذا ما علم من الجوارح وسعى على ظفر سعيه السريع المديد ونام على المجاراة قرناؤه منام أهل الكهف وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد. وعلمت أن مكاسب آدابه عظام وكثر فوائده لباب إذا اختلفت فوائد أهل اليسار والنظام وأن جل ملابسه من حمده وكل عزائمه زائدة عن طوقه وجهده وكل رافع طوع طلبه وكل خير صحبه من عنده لو قارب كلاب بن ربيعة لسلم إليه زمام المكارم ولو حاور جريرا لما قال للأخطل هجوت كليبا إذا آل دارم ولو دعى الوحش بلفظه لعطف عليه ذوو النفار ولو سابق البرق لما لحق من بديهته الغبار ولو فاخر الدرر وحاكمها إلى البحور لأفامته وأقعد بها عن الفخار ولو ميز حال أضداده لكان الكلب خيراً منها عند ذوى البصائر والأبصار تكاد الحمائم تقول أين ضعف سجعنا من قوة هذا النطق الضارى والتبر في غبار معدنه ينادى أين جوار هذه الطرق من جوار غارى فأجزت له رواية هذه الأبيات وحمايتها وحفظها ورعايتها اتباعا لأسارته وإعجاباً بما امتاز به على أشباهه من زي النطق وإشارته وتمسكا بوفاء بيته الجلية أنسابه المغشية أنديته حتى ما تهر كلابه عالما بأنه المفتش على خبايا الفضائل الحامي لمرعى القول حتى ما يذكر الحمى وكليب وائل المتسرع في تصيد شوارد الآداب الناهض بنصرتها وقد قطع بها الدهر لديه أذناب الكلاب السابق حين يفتر سواه ويلبث المتحمل لأعبائها لا كالقرين الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث وذلك عند سفره الحافز وبكوز عزمه الذي هو عن استيفاء القول حاجز وحركته في أوقات الشتاء الجامدة ورحلنه في ليلة من جمادى لا ينبح الكلب فيها فير واحد والله تعالى يجمع له بين الغنيمة والإياب وبفيض على القلوب ثياب مودته الثابت فضلها على كثير ممن لبث الثياب.
ذكر أديسم بن إبراهيم صاحب أدريجان قال كنت مجتازاً على قنطرة الري في عسكري فلما صرت في وسط القنطرة رأيت امرأة تمشى وقد حملت طفلاً لها في قماطة فصدمها بغل محمد فطرحت نفسها فزعا ووقع الطفل من يدها في الماء فلما وصل إلى الماء غاض زمانا لبعد ما بين القنطرة والماء ثم طفا وسلم من الحجارة والماء يجري. وأجراف النهر بعيدة عن الماء وفيها أوكار عقبان فحين طفا الطفل رأته عقاب هناك فانقضت عليه ومسكت بمخالبها في قماطه وخرجت إلى الصحراء فأمرت جماعة أن يركضوا خلف العقاب ففعلوا ومشيت أنا فإذا العقاب قد وعلت إلى الأرض واشتغلت بخرق القماط فأدركه القوم وركضوا خلفها حتى شغلوها عن خرق القماط فطارت وتركت الطفل على الأرض فإذا هو سالم يبكى فرددناه إلى أمه.
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 266