responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي    الجزء : 1  صفحة : 263
وإذا فرك من المياه متونها انسابت في الجداول انسياب الحباب ورقصت في المناهل رقص الحباب وان لثم ثغور نورها حيته بأنفاس المعشوق وان أيقظ نواعس ورقها غنته بألحان المشوق فنسيمها وان وشميمها بعرت الجنان عنران ووردها من سهر نرجسها غيران وطلها في خدود الورد مهتد وفي طرز الريحان حيران وطائرها كرد وماؤها مطرد وغصنها تارة يعطفه النسيم إليه فينعطف وتارة يعتدل تحت ورقائه فيظنها قوم همزة على ألف مع ما في تلك الرياض من توافق المحاسن وتباين الترتيب إذ كلما أعتل النسيم صح نشر الروض وكلما خر الماء شمخ القضيب:
وكأنما تلك الغصون وقد ثنت ... أعطافها رسل الصبا أحباب
فلها إذا افترقت من استعطافها ... صلح ومن سجع الحمام عتاب
وكأنها حول العيون موايسا ... شرب وهاتيك المياه شراب
فغديرها كأس وعذب نطاقها ... راح وأضواء النجوم حباب
تحيط بملق ماؤها صاف وظلال دوحها ضاف وحصباؤها بصفاء مائها في نفس الأمرار كدو في رأى العين طاف إذا دغدغها النسيم العليل حسبت ماءها بتمايل الظلال فيه يتبرج ويميل وإذا اطردت عليه أنفاس نسيم الصبا ظننت أفياء تلك الغصون هوى بمثلها في قلبه وكأن النسيم أيضا كلف بها غار من دنوها إليه فميلها عن قربه والسرو مثل عرائس لفت عليهن الملاء شمرن فضل الأزر عن سوق خلاخلهن ماء والنهر كالمرأة تبصر وجهها فيه السماء وكأن صواف الطير المبيضة بتلك الملق خيام أو قباب على الرقمتين قيام وأباويق فضة رءوسها لها فدام ومناقيرها المحمرة أول ما أنسكب من المدام وكأن رقابها رماح أس! مها من ذهب أو شموع أسود رءوسها ما انطفى وأحمره ما التهب وكنا كالطير الجليل عدة وكطراز العمر الأول جدة:
من كل أبلج كالنسيم لطافة ... عف الضمير مهذب الأخلاق
مثل البدور ملاحة وكعمرها ... عدداً ومثل الشمس في الإشراق
ومعهم قسى كالغصون في لطافتها ولينها والأهلة في نحافتها وتكوينها والأزهار في ترافتها وتلوينها بطونها مدبجة ومتونها مدرجة كأنها كوكب الشولة في انعطافها أو أوراق الظباء في التفافها لأوتارها عند القوم أوتار ولبنادقها في الحواصل أوكار إذا انتصبت لطير ذهب من الحياة نصيبه وإذا انتضت لرمى بدت لها أنه أحق بها أن تصيبه ولعل ذلك الصوت زجر لبندقها أن يبطىء في سيره أو يخطئ الغرض إلى غيره أو وحشة لمفارقة أفلاذ كبدها وأسف على خروج بنيها عن يدها على أنها طالما نبذت بنيها بالعراء وشفعت لخصمها التحذير بالإغراء:
مثل العقارب أذنابا معقدة ... لمن تأملها أو حقق النظرا
إن مدها قمر منهم وعاينه ... مسافر الطير فيها وانبرى سفرا
فهو المسىء اختياراً إذ نوى سفرا ... وقد رأى طالعاً في العقرب القمرا
ومن البنادق كرات متفقة السرد متحدة العكس والطرد كأنما خرطت من المندل الرطب أو عجنت من العنبر والورد تسرى كالشهب في الظلام وتسبق إلى مقاتل الطير مسددات السهام:
مثل النجوم إذا ما سرن في أفق ... عن الأهلة لكن نونها راء
من فاتها من نجوم الليل إن رمقت ... الإثبات يرى فيها وأضواء
تسرى ولايشعر الليل البهيم بها ... كأنها في جفون الليل إغفاء
ويسمع الطير إذ تهفو قوادمه ... خوافقاً في الدياجى وهى صماء
تصونها جراؤه كأنها درج درر أو درج غرر أو كمامة ثمر أو كنانة نبل أو غمامة وبل حالكة الأديم كأنما رقمت بالشفق حلة ليلها البهيم:
كأنها في وضعها مشرق ... تنبت منه في الدجا الأنجم
أو ديمة قد أطلعت قوسها ... ملوناً وانبعثت تسجم
فاتخذ له كل مركزا وتقاضى من الإصابة وعدا منجزا وضمن له السعد أن يصبح لمراده محرزاً:
كأنهم في يمن أفعالهم ... في نظر المنصف والجاحد
قد ولدوا في طالع واحد ... وأشرفوا من مطلع واحد

اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي    الجزء : 1  صفحة : 263
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست