اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 260
القول على الشاهين: تقول أصحاب البيزرة: الشاهين من جنس الصقر إلا أنه أبرد منه وأيبس ولأجل ذلك تكون حركته من العلو إلى السفل شديدة وليس يحلق في طلب الصيد على خط مستقيم وإنما يحوا لثقل جناحه حتى إذا سامت فريسته انقض على فريسته هاوياً من علو إلى سفل فضربها وطار بها يطلب الصعود وإن سقطت دلى الأرض أخذها وإن لم تسقط عاد وضربها لتسقط وذلك دليل على جبنه وفتور نفسه وبرد مزاج قلبه وعلى كلى حال فالشاهين أسرعها وأخفها وأشدها ضراوة على الصيد إلا أنهم عابوه بالاباق وربما يعتريه من الحرص حتى أنه ربما ضرب بنفسه الأرض فمات، ويقولون إن عظامه أصلب من عظام سائر الجوارح ولذلك هو يضرب بصدره ويعلق بكفه وقال بعض حذاق هذا الفن الشاهين كاسمه يعنى الميزان لأنه يحمل أدنى حال من الشبع ولا أيسر حال من الجوع. والمحمود من صفاته: أن يكون عظيم الهامة واسع العينين حادهما تام المنسر طويل العنق رحب الصدر متملئ الزور عريض الوسط جليل الفخذين قصير الساقين قريب الفقرة من الظهر قليل الريش تام الخوافي رقيق الذنب إذا صلبت عليه جناحاه لم يفضل عنهما شيء منه فإن كان كذلك فهو يقتل الكراكي ولا يفوته صيد كبير وزعم أهل الإسكندر أن السود منها هي المحمودة وأن السواد أصل لونها وإنما قلبته التربة فحال ويكون فيها الملمع، ويقال إن أول من صاد بها قسطنطين ملك عمودية حكى أنه خرج يوماً يتصيد بالبزاة حتى انتهى إلى خليج القسطنطينية وهو المسمى بحر ينطش فعبر إلى مرج بين الخليج والبحر فنظر إلى شاهين ينكفىء على طير الماء فأعجبه ما رأى من سرعته وضراوته والحاحه على الصيد فأمر له أن ينصب له حتى صيد فأخذه وضرأه ثم ريضت له بعد ذلك الشواهين وعلمت أن تحوم على رأسه إذا ركب فتظله من الشمس فكانت تنحدر مرة وترتفع أخرى فإذا نزل وقفت حوله: الوصف والتشبيه قال صلاح الدين الصفدي ملغزاً في بجع:
ما طائر في قلبه ... يلوح للناس عجب
منقاره كبطنه ... والرأس منه في الذئب
محي الدين بن عبد الظاهر:
بي من أمير شكار ... هو يذيب الجوارنح
لما حكى الظبي حسناً ... حنت إليه الجوارح
نقلت من كتاب المصائد والمطارد لأبي الفتح كشاجم قيل لمن كان مجمناً للصيد من حكماء الملوك إنك قد أدمنت هذا وهو من خير الملاهي وفيه مشغلة عن مهم الأمور ومراعاة الملك فقال إن للملك في مداومة الصيد حظوظاً كثيرة أقلها تنبئه في أصحاره مواقع العمارة من بلاده في النقصان والزيادة فإن رأى من ذلك ما يسره بعثه الاغتباط به على الزيادة فيه وإن رأى أمراً ينكره جرد عنايته له ووفرها على تلافيه فلم يستتر عنه حال حال ورأس الملك العمارة ولم يخرج ملك الصيد فيرجع بغير فائدة أما حداثة خيله فيمرنها ويكف من غرب جماحها، وأما شهوته فينشيها، وأما فضول بدنه فيذيبها، وأما مراودة ومفاضلة فيسلسها، وأما أن يكون قد طويت عنه حال مظلوم فيتمكن من لقائه ويرجع إليه ظلامته فيسلم من مأثمه وإما أن ينكفىء بصيد يتفائل بالظفر به إلا خلال كثيرة لا يجهل ما فيها من الربح ومنه من فضل العلم بالصيد والعادة ما حكاه لي أبي إسحاق إبراهيم بن السدي عن الملك بن صالح الهاشمي عن خالد بن برمك أنه كان نظر وهو مع صالح صاحب المعلى وغيره من رجال الدعوة وهو على سطح قربه نازل مع قحطبة حين قفلوا من خراسان وبينهم وبين عدوهم مسيرة ليال وأيام إلى أقاطيع ظباء مقبلة من البر حتى كادت تخالط العسكر، فقال لقحطبة ناد في الناس بالاسراج والالجام وخذ الأهبة فتشوف قحطبة فلم ير شيئاً يروعه، فقال لخالد ما هذا الرأي فقال أما ترى هذه الوحوش قد أقبلت إن وراءها لجمعا يكشفها فما تمالك الناس أن تأهبوا حتى رأوا طليعة ولولا علم خالد بالصيد لكان الجيش قد اصطلم، ووقف بعض الملوك بصومعة حكيم من الرهبان فاستجاب له فقال له ما اللذة قال كبائر اللذات ربع فعن أيهن تسأل قال صفهن لي قال هل تصيدت قط قال لا قال ألك حظ بالسماع والشراب قال لا قال فهل فاخرت ففخرت أو كاثرت فكثرت قط قال لا قال وما بقى من اللذات.
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 260