responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 506
أرى أن الوالدة لا تقدر أن تربي ولدها على ما تريد إلا بعد ما تستولي على عقله وعواطفه, وتعرف طباعه. والذي يدلني على ذلك هو أن التربية لا تنمي في نفس الطفل ما ليس له أثر ولا وجود فيها بل ما هو موجود قد أودعه الباري تعالى فيها, ولا تقتصر على إنماء هذا الموجود بل تقدم النامي وتهذبه وتقويه وتشدده فمثل الوالدة في تربية ولدها مثل الغارس في تربية غرسه ألا ترين كيف يمهد له الأرض ويسويها ويسمدها ويرويها حتى يتأصل فيها كلما نما وطال يقومه إذا رآه معوجا ويقضبه ويهذبه حتى يقوى ويعلو ويتحسن منظره. هكذا تفعل الأم في ولدها بالتربية تنظر إلى جسده وتقويه بالطعام والرياضة والإتقان من الآفات وتنظر على عواطفه وقواه العقلية والأدبية فتوسعها وتقويها وتقوم اعوجاجها وتهذبها فإن لم تكن هذه بيدها وطوع أمرها فكيف تقدر عليها ولكن تكون خاضعة لها وطوع إرادتها.
يجب على الوالدة أن تنبه على تربية ولدها وهو طفل صغير ضعيف الإرادة وتتعهده منذ ذلك الحين تارة بالأمر والنهي كالسلطان المطلق وطورا بالحب والرفق كالصديق الحبيب حتى تكون مهيبة عنده مسموعة الكلمة ومحبوبة منه ومقبولة الأوامر, وهذا غاية عظمة الملوك والحكام, ومنتهى ما يبلغون إليه في سياستهم مع الرعية. وهو أن يكونوا مهيبين محبوبين مسموعي الكلمة معزوزي الجانب.
إذا راقبت الأم ولدها وجدت أنه لا يبلغ من العمر نصف سنة حتى تظهر عليه علامات الفهم وتبدو منه أفعال الإرادة فيغضب ويرضى ويبكي وقت الغيظ, ويتبسم وقت الرضا. وحينئذ يجب على الأم أن تتخذ ما عندها من الحكمة لتطبع إرادتها على لوح نفسه وتغرس محبتها في أعماق فؤاده وتنفذ كلمتها في أمرها ونهيها له متدرجة من الأمور الصغيرة إلى المبادئ الكلية على توالي الأيام فمتى صار يطلب شيئا لا يناسب إعطاؤه إياه تمنعه عنه ولا تطاوعه, ولو بكى وصرخ صراخا شديدا, حتى يرسخ في ذهنه أن البكاء والصراخ لا ينيلانه المطلوب إذا لم ترد الوالدة ذلك, ولو بكى وصرخ صراخا شديدا, حتى يرسخ في ذهنه أن البكاء والصراخ لا ينيلانه المطلوب إذا لم ترد الوالدة ذلك, وأن الطاعة خير من العناد. وإذا أصر الطفل على مسك ما لا يخصه بعدما منعته والدته من ذلك مرارا فلا تخفيه من أمامه خوفا من بكائه بل ترده عنه بكل لطف وحزم وتفهمه بقدر الطاقة أن ذلك الشيء لا يخصه, وأنه يجب أن يطيع والدته ويخضع إرادته لإرادتها ولا تزال تعلمه بمثل هذين المثلين حتى تتأصل الطاعة لوالدته في نفسه وتنمو فيه مع نماء قوى عقله ولكن ليس بالغضب والعنف بل بالرفق واللين واللطف.
ومن خطأ الوالدين والوالدات في التربية أنهم يحبون البشاشة في وجه الولد والملاطفة في معاملته تؤل إلى استخفافه بكلامهم وتمرده عليهم, فلذلك تراهم لا يكلمونه إلا زجرا ولا ينظرون غليه إلا شزرا, وإذا ارتكب أقل ذنب أو سعوه ضربا وتعنيفا, وإذا ضحك أو لعب في حضرتهم وبخوه وانتهروه كأنه قد جنى ذنبا زاعمين أن ذلك كله يزيد سطوتهم عليه ويمكن الطاعة في نفسهم لهم. وهذا صحيح ولكن إلى حد معين لأن هذه المعاملة تمكن سلطة الوالدين على أولادهم, ولكنها تكون ثقيلة عليهم مكروهة عندهم يترقبون الفرص لمخالفتها ويتحايلون للتخلص منها, ولذلك كثيرا ما تكون نتيجتها فيهم تربية الخوف والخيانة والبغض

اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 506
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست