responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 507
والكراهة في نفوسهم ويتلو ذلك المكر والرياء أو العصيان والتمرد كما لا يخفى إذا القسوة والعنف في المتسلط يجعلانه مهيبا ولكن مكروها ومطاعا, ولكن مستثقلا والنفوس الأبية لا تذل إلا إلى حين ولا تصبر على الضيم إلا ريثما تجدبا بالدفعة.
فيجب على الوالدين والوالدات خصوصا أن يعاملوا أولادهم في التربية بالرفق وأن يقابلوهم بوجوه باشة إلا حيث لا تقبل البشاشة وأن يكون كلامهم في الإنذار والتوبيخ مقرونا بالتأني والهدو حتى يفهم الولد مؤداه ويقبله عن اقتناع لا عن خوف ورعدة كما يكون إذا أدبته أمه عن غضب وحنق إطفاء لنار غيظها والحزم والهدو والتأني في تربية الطفل وتأديبه تلقى لمربيته هيبة في فؤاده ليس فوقها هيبة فتبقى مقرونة بالطاعة له طول أيامه, ولاسيما لأنها تكون ممزوجة في نفسه بالحب والمودة.
والخلاصة أنه يجب على الأم أن تجعل لها في نفس ولدها طاعة مؤسسة على الحب تدوم إلى طويل لا طاعة مؤسسة على الخوف تدوم إلى قصير وكما يطلب من الوالدة أن تكون حاكمة متسلطة عل عقل ولدها وعواطفه يطلب منها أن تكون بمنزلة الصديق والرفيق له تخصص جانبا من وقتها لملاعبتها بالملاعب المختلفة وتسليه تارة بقص القصص المفيدة عليه وطورا بتعليمه ما ينير ذهنه وحثه على ما يميل إليه من طبعه حتى تتعلق نفسه بها تعلقا شديدا, ويفضل مجالستها واستماع أقوالها على مجالسة كل واحد سواها فيكتسب منها في أثناء ذلك ما تريد أن تلقيه في ذهنه من الأفكار والمبادئ, وينمو على ما تحب أن ينمو عليه وههنا مندوحة واسعة للكلام على الأتعاب التي يجب على الوالدة أن تهبها لأولادها حتى تدفع عنهم الملل والضجر, وما ينشأ عنهما من المساوئ الكثيرة التي تفسد التربية والأخلاق. وههنا محل الكلام على تدبير ما يلزم لتحسين ذوق الولد وتعويده على حسب ما هو جميل واعتبار ما هو نافع ومفيد وتربيته على مراقبة الأمور, وملاحظة ما حواليه من الكائنات وعجائب طبائعها, وغرائب أفعالها. وههنا محل الكلام أيضا على ترويضه وتقوية جسده ولكني لا أتعرض لشيء من ذلك كله لئلا يضيق المقام واعتمادا على ما هو شائع منه في كتبنا وجرائدنا.
وصدق الوالدة مع ولدها في كل مواعيدها أمر لا بد منه في التربية وكذبها عليه يربيه على الكذب لا محالة والدعاء عليه يحط قيمتها في عينه ويفسد آدابه. وتكثير الأوامر عليه والطلبات منه تلقيه في الحيرة والارتباك فيصير يطلب الابتعاد عنها ولا يصدق أن يتيسر له الفرار من وجهها حتى يغافلها ويسرع إلى أصدقائه وملاعبه.
قال بعض الحكماء: الصدق أهم ما يجب إتباعه في تربية الصغار وتهذيبهم, فمن كذب على ولده كذبة علمه الكذب.
وقال أيضا: إن تهذيب الولد يبتدئ بنظرة أمه والتفات أبيه وتبسم أخته أو أخيها أو أخيه.
ومن أغلاط التربية عندنا أنه إذا قامت الأم لتأديب ولدها فكثيرا ما يعارضها الأب ويحمى من التأديب كأن أمه عدو له تقصد الانتقام منه وإذا قام الأب لتأديب ولده عارضته الأم وكل ذلك مما يمنع فوائد التربية عن الولد ويحمله على الظن بأنها صادرة عن الغضب والانتقام لا عن حب الواجب وحسن

اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 507
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست