اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 505
الاجتماعية منهم يقوم الأفاضل ومنهم يقوم العلماء وولاة الأمور, ومنهم تتألف القبائل والأمم والشعوب فهم أساس الهيئة الاجتماعية وبهم يتم انتظامها وتمدنها وارتقاؤها في مراتب الكمال.
ولما كانت تربيتهم أقوى الوسائط لعقولهم المهذبة لأخلاقهم المقومة لاعوجاجهم وكانت هذه التربية متوقفة على الوالدين خصوصا وغيرهم عموما كانت واجبات الوالدين نحو أولادهم من أعظم الواجبات والوديعة التي أمنهم الباري تعالى عليها أجل الودائع, ولذلك لا يسع الوالدين الحنونين إلا الاهتمام بتربية أولادهم والبحث عما يجعلها قويمة المنهاج, شافية العلاج.
وهذا ما قصدت الكلام فيه بوجه الاختصار فأقول: إن التربية ليست علما بقواعد وأصول كسائر العلوم يتعلمه الإنسان من بطون الصحف ولكنها نوع من السياسة يراعى فيها الإنسان أحوال الأولاد والزمان والمكان مع أنها لا تخلو من (مبادئ) عمومية يصح الجري عليها في كل حال لكن أكثرها يتوقف على حكمة المربي وفطنته وغيرته وحسن أخلاقه, ويمكنني أن أقول بالإجمال: إن التربية يلزم لتمامها شروط بعضها يتعلق بالمربي وبعضها بالمربى فمن أعظم الشروط اللازمة في المربي أن يكون هو نفسه مرب حسن الطوية, مهذب الأخلاق والأقوال حميد السيرة, صافي السريرة وإلا ذهبت مساعيه عبثا, وربما زادت أضرارها على منافها لأن المربى يميل بالطبع على الاقتداء بمربية في كل شيء وتقليده قولا وفعلا حتى كأنه صورة خلقته أو صدى صوته, فإذا لم يجر المربي على حسب تربيته للمربى كذبت أقواله وأفعاله وأبطلت أمياله ومساعيه.
يحكى أن السرطان أراد يوما أن يقوم خطوات ابنه فقال له: ما لك يا بني تمشي مجانبا ولا تقوم خطواتك؟ قال: رأيتك يا أبي تمشي كذلك قبلي فاقتديت بك وحسبي أن أشبهك ولقد أصاب قول من قال: "ومن يشابه أبه فما ظلم". ويلزم المربي أيضا مع ذلك أن يكون حكيما متأنيا مالكا طبعه خبيرا بمواقع الأقوال ونتائج الأفعال فيجعل كلامه مع المربى على قدر حكيما متأنيا مالكا طبعه خبيرا بموقع الأقوال ونتائج الأفعال فيجعل كلامه مع المربى على قدر الحاجة اللازمة لتقويم أوده وتهذيب أخلاقه ويقصر أفعاله على ما يؤثر في نفس الطفل أحسن تأثير يحثه على الخير وينهاه عن المنكر. وأما الشروط اللازمة في المربي فسأتكلم عليها في أواخر هذه المقالة.
قلت: إن التربية تتوقف خصوصا على الوالدين وعموما على غيرهم ومعلوم أن معظم تربية الوالدين يتوقف على الأمهات لا على الآباء لوجودهن غالب الأحيان مع أولادهن أيام الطفولية, ولكون الاهتمام بهم من أخص واجباتهن وبما أن كثيرات منا نحن الحاضرات ههنا أمهات أولاد يقصدن تربية أولادهن أحسن تربية ويتقدن غيرة على تحسين طباعهم وتهذيب أخلاقهم فقد رأيت أن أبدي بعض ما عندي في هذا الشأن لعله يقع موقع القبول عند إحدى السامعات, فيفيد أو اسمع عنه ملاحظات من إحداهن فأستفيد فأتقدم في الكلام بناء على أن الشروط اللازمة متكملة في المربيات السامعات لعلمي أنهن من اللواتي ربين أحسن تربية ولكن يعوزنا الاختبار والانتفاع بأثمار التجارب.
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 505