responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 504
المروج المختلفة الألوان, والنيل ينساب في وسط انسياب الأفعوان, وهي تؤدي إلى قصر فخيم بناه إسماعيل باشا الخديوي السابق في وسط حديقة غناء كثيرة الأشجار لطيفة الأزهار, واسعة الطرق, عديدة التماثيل وجلب إليها الأنواع العديدة من الوحش والطير حتى أشبهت معارض الحيوانات في أوروبا, ولم يبق بها إلا القليل في هذه الأيام والمنتزه العمومي قرب هذا القصر مركزه يعرف بالجبلايه ولعل المراد بها تصغير الجبل وهي تقليد الجبل الطبيعي, قد صنعت حجارتها من الحصى والرمل يمر الصاعد إلى قمتها في مغارة واسعة كثيفة الظل رطبة الهواء يتسلسل الماء من نواحيها, ويتدفق من بعض الثقوب التي فيها, ويقطر من سقفها خيوط مدلاة قد رسب الكلس عليها وكستها الطبيعة فأشبهت الرواسب الكلسية التي تتدلى من سقوف بعض الكهوف السورية, وفي جوانبها حياض كالنقر من الصخور قد سدت بالزجاج السميك كأنه ماء قد جمد فكون جدارا من الجليد, وفي أرضها الحجارة كأنها أنفذت من سقف المغارة وجوانبها وتدحرجت في أرضها على ممر السنين وتوالي الحوادث والأيام, ثم يرقى على درج ملتف وكأنه طبيعي لم تمسه يد البشر حتى يصل إلى قمتها فيجد هناك في طريقه بقعة كانت مزروعة بالأعشاب والأزهار والأشجار ويرى حوله منظرا فسيحا من غياض الصنوبر (من شجر الفتنة ولعلها كتبت الصنوبر سهوا) والسنط وسهول القمح, والحبوب والنيل ينسحب بينها كأسلاك الفضة وصحارى الرمال إلى غير ذلك مما يشرح الصدر ويطيل العمر.
وأخبت أنه يوجد ما هو أجمل من هذه الجبلاية في قصر يسمى قصر الجيزة, ولكني لم أره -ويوجد جبلاية أصغر منها في المنتزه الكبير في وسط المدينة المعروفة بجنينة الأزبكية- وهي جنينة مساحتها لا تقل عن مساحة إحدى قرى لبنان المتوسطة في الاتساع في وسطها بحيرة متسعة تسير فيها القوارب الصغار والكبار ودائر البحيرة الأشجار الكبيرة والأزهار النضيرة, والأراضي الخضراء, والحدائق الغناء, وفيها مرسح للتمثيل ومبان للطعام وقباب تضرب الموسيقى العسكرية فيها يومياً وأبوابها مفتوحة لعموم الناس, ومخازن القاهرة الكبرى بيد الإفرنج من الأجانب, وأكثر جهاتها المطروقة من الخاصة والعامة مزدحمة بالقهاوي والحانات والخمارات ولم يترك الأوروبيون المتعاطون الأسباب في القاهرة واسطة إلا أجروها لاجتذاب الأهالي إلى الإسارف واللهو والطرب, ولذلك ترى العامة من الأهلية يتهافتون على ما به خرابهم وبوارهم تهافت الفراش على لهب النار, ولم نسمع حتى الآن بجمعية علمية أو أدبية للأهالي تذكرنا جمعيات بيروت أو اجتمعات مفيدة للشبان والشابات كالاجتماعات التي عندنا إلا أننا منذ مدة حضرنا افتتاح جمعية علمية أدبية في دار المرسلين الأمريكيين كان فيها نحو مائة وخمسين نفسا حاضرين واجتماعاتها أسبوعية وقد تزايد عدد الحضور جلسة فجلسة حتى صار يبلغ خمسمائة في هذه الأيام, وقد ضاقت القاعة دونهم فالأمل أن هذه الجمعية تثبت وتنمو وتكون سببا لقيام غيرها من الجمعيات العلمية الأدبية حتى ينتشر التهذيب الصحيح بين الشبان والأهالي الذين أوتوا حظا وافرا من اللطف الطبيعي ولين العريكة وسهولة الانقياد. والله أسأل أن يقدرنا على قضاء خدمة نافعة لبنات هذه البلاد. انتهى.
ومن كلامها مقالة أدرجت في السنة الأولى من جرنال اللطائف تحت عنوان تربية الأولاد وهي خطبة الأخلاق من أدب ولده صغيرا سر به كبيرا وهما قولان جديران بالمراعاة, وحريان بكل اعتبار لأنهما صادران من أعقل الناس وأحكمهم متعلقان بأهم ما في العالم من الأعطية والكنوز فإن الأولاد هم عماد الهيئة

اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 504
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست