responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 503
الأصلي حتى إن الكفن ما عليه من الألوان كالزنجاري والأصفر والأحمر لا تزال على ما كانت عليه من البهاء منذ آلاف من السنين مع أن ألوان هذا الزمان لا تقيم بل تحول وبهاؤها يزول.
وهذه الآثار يمتد زمانها من أيام الفراعنة إلى الإسكندر فالبطالسة فالرومانيين فالأقباط بعدهم, وبينها كثير من جثث ملوك المصريين وعيالهم محنطة من قبل أيام الخليل إبراهيم, ولا تزال شعورها على رؤوسها ولفائفها وأكفانها باقية عليها غير بالية وشاهدت هناك شيئا كثيرا من الجواهر والحلي القديمة المصنوعة كحلي هذه الأيام من أقراط وخواتم وأساور وعقود مرصعة بالحجارة الكريمة ترصيعا متقنا.
ومن الغريب أن بين الأساور ما هو على شكل الحية وعيناه حجران كريمان كأساور هذه الأيام وشاهدت أيضا أسلحة كثيرة الأنواع مختلفة الأشكال ومرايا مصنوعة من المعادن الصقيلة وأحذية ذات سيور وقمحاً وحمصاً وفولاً وعدساً وبيضاً وإجاصاً ودوماً وهو كبير يشبه السفرجل في هيئته وكتانا من أحسن أنواع البوص, وأمراسا ومكانس.
وأدوات البناء من الخشب والنحاس المعروف بالبرنز ولم أر أبين تلك التحف أثرا للحديد حتى مسامير التوابيت وغيرها كلها من الخشب أو النحاس إذ الحديد كان لا يزال مجهول الاستعمال في تلك الأيام على ما أظن.
وهناك تماثيل لأكثر الملوك القدماء منها من المرمر أو الحجر الصلد أو النحاس, وأبدع ما في صنعتها بوضع العيون التي رأيتها وهي متخذة من الحجارة الكريمة ولإتقان صناعتها في الشكل واللون واللمعان لا تمتاز عن عيون الأحياء إلا بالجهد وهي أفضل كثيرا من العيون التي يصنعها أبناء هذا الزمان ومن أغرب التماثيل التي رأيتها هناك تمثال من الجميز قد أمسك بيده عصا أظنها من العرعر والمظنون أنه صنع قبل أيام النبي موسى وأنه من أقدم مصنوعات البشر, ومع ذلك فكأنه تمثال رجل من المصريين في هذه الأيام.
ويسمى عندهم سيخ البلد, وكل من دخل هذا المعرض علم بعض العلم عن عبادة المصريين واعتبارهم لجثث موتاهم مما يرى فيه من تماثيل الآلهة التي على صورة التمساح والسلحفاة والقرد والنسور والضفدع والخنفساء وغيرها من تماثيل الحيوانات مما يرى من الجثث المحنطة الملفوفة لفا محكما بلفائف الكتان المتناهي في الرقة, وهي موضوعة في توابيت من الخشب.
وهذه التوابيت ترسم على ظواهرها صور موتى وتغطى ظواهرها وبواطنها بكتابات بالخط المصري القديم المعروف بالهيروغليف ويوضع فيها من الجثث المحنطة والمآكل المحنطة المجففة مثل الأرز والبيض واللحم والأثمار ونحوها وكانت عادتهم أن يضعوا التابوت المتضمن الجثة ضمن تابوت آخر وهذا ضمن آخر وهكذا حتى يبلغ عدد التوابيت أربعة أو أكثر أحيانا.
ثم يضعونها داخل تابوت من الحجر الأصم, وقد رأيت تابوتا لإحدى الملكات قد صنع كله من الكتان المرصوص طاقا على طاق.
ثم عولج بنوع من الطلاء حتى صار كالخشب سمكا وصلابة والغالب أن كل أثر من هذه الآثار يكون مقرونا بكتابة هيروغليفية تبين ماهيته وما حالته, وقد رافقنا داخل المعرض رجل مصري يقرأ هذا الخط ويترجمه لنا كما نقرأ نحن كتب الإفرنج ونترجمها.
وفي القاهرة منتزهات مختلفة عظيمة الإتقان فيها تصدع الموسيقى وتسمع آلات الطرب في كثير من الأحيان بعضها في وسط المدينة وبعضها خارجها كمنتزه شبرا وهو قديم العهد والعباسية والأزبكية والجزيرة وقد فضلت الجزيرة على ما سواها لأنها قريبة الشبه من بقاع كثيرة في سوريا ولبنان والمفاوز بنظرة واحدة وهي تبعد نحو ميل عن وسط المدينة والطريق إليها واسعة نظيفة محاطة بالأشجار الملتفة على الجانبين ترش بالماء يوميا كجميع طرق المدينة فيتلبد ترابها ولا يثور غبارها تحت الحوافر والعجلات والأقدام, وتظهر من خلالها

اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 503
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست