responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 502
الأرض طلبة وأقدمها عهداً فيما يظن ومنه يخرج أشهر علماء العربية والفقه والأدب من المسلمين والذي اعتنى كثيراً بتحسين القاهرة وهندستها وترتيبها إسماعيل باشا والد سمو الخديوي الحالي.
قيل: إنه كان معلقا خارطة باريس في غرفته الخاصة حيث يقع عينه عليها في دخوله وخروجه, وكان باذلا جهده في تخطيط القاهرة بحسبها, فمد الطرق الواسعة فيها من طرف إلى طرف حتى صارت المركبات تخترقها في أكثر جهاتها وغرس الشجر على جانبيها, ونور أشهر شوارعها بنور الغاز, وشيد فيها المباني الضخمة من قصور ونحوها وأشهرها مرسح للتمثيل يسمونه "الأوبرا" بالاسم الفرنساوي قد أنفقت عليه أموال كثيرة جدا حتى صار الناس لا يستكثرون فيها أعظم المبالغات.
وددت لو أن قلمي العجز يستطيع وصف محاسن هذه "الأوبرا" فكنت أوفيها حقها أما الآن وأنا على ما أنا عليه من العجز والقصور, فأكتفي بوصف وجيز لها ففي وسط قاعة التمثيل ثريا -أي نجفة- تنار بالغاز لها أنابيب من الصيني على هيئة الشمع فيتوهم الناظر إليها أنها شمع وقد صنع بعضها أكبر من بعض حتى كأنه ذاب مشتعلا وبعضها كأنه الشمع الذائب يقطر عن جوانبه وقد عبث النسيم باللهيب فأصاب حافة الشمعة فإذا بها إلى غير ذلك مما قلد فيه الشمع تمام التقليد, وحجم هذه الثريا معتدل الاتساع.
وفي وسط القاعة أمام مرسح الملعب نحو ثمنمائة كرسي مشدودة بالمخمل العنابي وحولها أربع طبقات مستديرة بعضها فوق بعض وقد قسمت كل طبقة إلى أربعين غرفة في كل غرفة خمس كراسي ومقعد مشدود بالمخمل العنابي اللون وجدرانها مدهونة بمثل ذلك اللون, وعلى بابها ستار من لونها وقد علقت مرآة كبيرة على جدار منها وفرشت أرضها بالطنافس وكل غرفة معدة لخمسة أشخاص, وأما سقف القاعة فمرسوم فيه صور أشهر الممثلين والموسيقيين وللخديوي غرفة خاصة ولحرمه غرفة خاصة مقابلها وكلتاهما على غاية الإحكام والهندام, وفيها من الفرش والوشي والتطريز ما يدهش الأنظار.
هذا عدا ما فيها من قاعات الجلوس ومخازن الملابس والآلات وسائر المعادن وملابس للممثلين من المنسوجات المختلفة الألوان والأشكال من حرير وقطن وكتان, ومن يجول في مخازن الأوبرا يحسب أنه يجول في أسواق مدينة قد حوت مخازنها ما لا يوصف بخط القلم على القرطاس.
ومن مشاهد القاهرة أيضا الجسر الكبير على نهر النيل تمر عليه المركبات لاتساعه ويمشي على رصيفين بجانب طريق المركبات ولطوله لا تقطعه المركبات في أقل من ثلاث دقائق أو أربع وكله من الحديد المفروش بالبلاط وهو يفتح ويقفل في ساعة معنية من اليوم لمرور السفن بالجسور التي نقرأ وصفها في كتب الإفرنج.
ومن مشاهد القاهرة مدارسها العلمية وأشهرها مدرسة قصر العيني حيث يعلم فيها الطب والجراحة, وهناك صف من النساء يتمرن على التمريض ويدرسن علم الولادة وبعض فروع الطب ويمتحن جهارا كبقية التلامذة من الشبان ومدرسة المهند سخانة وتدرس فيها العلوم العالية ولاسيما الرياضيات وصناعة الهندسة والمدارس في مصر كثيرة أعظمها وأشهرها للحكومة ولكن أكثرها تعلم بالأجرة.
ومن المشاهد العلمية أيضا المرصد الفلكي والمعمل الكيماوي والمكتبة الخديوية ولعلها أحسن مكتبة في الشرق وخصوصا في كتبها العربية.
وأعظم مشاهد القاهرة اعتبارا معرض الآثار المصرية المعروفة هنا بالأنتيكخانة ففيه من الآثار المصرية ما يعز وجوده في غيره من معارض الدنيا من تماثيل وصور ونقوش, وكتابات وآنية وأجسام محنطة قد حنط بعضها من قبل أيام موسى الكليم, ولا يزال على رونقه

اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 502
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست