اسم الکتاب : الاتجاهات الفكرية لجمعية العلماء والطرق الصوفية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 215
1925 م -: لنا اليوم سهرة حافلة بمقبرة
سيدي محمد بن عبد الرحمن، فلنستعد لها مبكرين حتى نكون في الصفوف
الأولى.. وبعد صلاة العشاء، التأمت حلقة الذكر، وأخذ الفقراء يترنمون بأصوات هي
إلى البشاعة أقرب منها إلى الرخامة. وطال ذلك نحو ساعة. فبعض تلك الأناشيد
والأذكار كان مستقيم المعنى صحيح المبنى، فيه الصلاة على الّنبي a، وفيه الموعظة والذكرى، أما بعضها الآخر
ففيه إشارات واضحة إلى مذهب (وحدة الوجود) يترنم بها القوم ولا يفهمون لها معنى،
وخرجت من هناك آسفا حزينًا وأنا أتساءل : كيف تمكن أحمد بن عليوة المستغانمي من إنشاء طريقة صوفية وهو شبه
أمّي؟)[1]
ولكن رغم ذلك، ورغم تلك النظرات القاسية
التي ينظر بها المناوئون للطرق الصوفية، فإن هذا النوع من الممارسات هو الأكثر
جاذبية بين مختلف أصناف المجتمعات، لأن ما ينشد من القصائد، والألحان المؤداة بها
والتي تختلف من بيئة إلى أخرى، والحركات المصاحبة لكل ذلك لها تأثيرها الكبير في
الشعور بأحوال روحية يأنس بها من حصلت له، ويشتد حرصه على تحصيلها، ومن ثم يبحث عن
الطرق التي توفرها له.
ولعل من الأسباب الكبرى للدور الكبير الذي
قام به الصوفية في نشر الإسلام هو استعمالهم لهذا الأسلوب، فالتعلق بالغناء والرقص
ونحوهما فطرة بشرية أحسن الصوفية استثمارها.
ويرتبط هذا النوع من الممارسات خصوصا
بالأدب، وبالشعر خاصة، لأنه الأداة التي يمكن التعبير بها بكل حرية عن المشاعر
والعواطف.
ولهذا نجد أكثر من يمثل الأدب الإسلامي في
التاريخ هم الصوفية، لأن من عداهم اهتم بأنواع الأدب الأخرى، والتي لا يمكن
إدراجها ضمن الأدب الإسلامي، كالمديح والهجاء