اسم الکتاب : شرح مختصر التحرير للفتوحي المؤلف : الحازمي، أحمد بن عمر الجزء : 1 صفحة : 3
وهذا العلم -كما هو معلوم- إنما يقوم على علم آخر، وهو ركن له يعتمد عليه كما مر في كلام الغزالي رحمه الله تعالى، وهو لسان العرب .. اللغة العربية. اللغة العربية -كما هو معلوم- إما فرض عين، وإما فرض كفاية، ومن لم يكن له شأن في هذا الفن فسيضعف في فن أصول الفقه، وإذا لم يكن له شأن في أصول الفقه فسيضعف كذلك في فهم الشريعة، العلوم متلازمة مترابطة كما هو معلوم، ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: فإن نفس اللغة العربية من الدين، تعلُّم العربية نحواً وصرفاً وبياناً وفقهاً يعتبر من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وأطبق الأصوليون على هذا الدليل بأن لسان العرب تعلمه يعتبر واجباً، يعني: قد يكون فرض عين وقد يكون فرض كفاية، لأن فهم الشريعة واجب، وإذا كان كذلك فحينئذ ما هو العلم الذي يقوم عليه فهم الشريعة؟ هو لسان العرب، وإذا كان كذلك ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثم قال رحمه الله تعالى: ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية.
ويقول الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات: المقصود هنا أن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، وطلب فهمه إنما يكون في هذا الطريق خاصة؛ لأن الله تعالى يقول: ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) [يوسف:2]، وقال سبحانه: ((بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)) [الشعراء:195]، وقال تعالى: ((لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)) [النحل:103] إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن القرآن إنما نزل بلسان العرب، وهذا فيه إشارة إلى ماذا؟ فيه إشارة إلى أنه لا يمكن فهم هذا الكتاب إلا بلسان العرب. وهذا واضح بين.
قال رحمه الله تعالى: مما يدل على أنه عربي وبلسان العرب لا أنه أعجمي ولا بلسان العجم، فمن أراد فهمه فمن جهة لسان العرب يُفهم، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة.
لا سبيل، يعني: لا طريق إلى فهم القرآن الذي نزل بلسان العرب إلا من هذا الطريق، وهو فهم لسان العرب.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولا بد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني؛ فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدَّعون أنه دال عليه، ولا يكون الأمر كذلك.
وهذا فيه ملحظ آخر: وهو أن سبب ضلال كثير من أهل البدع إنما هو لجهلهم بلسان العرب، وهذا يزيد طالب العلم اهتماماً بهذا العلم الجليل الذي يقوم عليه فهم الكتاب والسنة، ثم يقوم عليه علم أصول الفقه الذي لا يمكن أن يصل إلى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية إلا بواسطة هذا العلم.
اسم الکتاب : شرح مختصر التحرير للفتوحي المؤلف : الحازمي، أحمد بن عمر الجزء : 1 صفحة : 3