responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 144
ومعنى هذا أن المؤلف كان يقوم بدور المؤلف والقارئ في وقت واحد؛ لأنه لم يترك للقارئ فرصة واحدة يستنبط فيها ما يهدف إليه الكاتب، ويتذوق ويستمتع بالمسرحية.
وهذه النزعة إلى الحكمة أثر من آثار النزعة الخطابية التي تميز بها الشعر العربي منذ القدم، وكما نعرف ليس المسرح ميدانًا للخطابة ولكنه مكان تبرز فيه الحياة طبيعية عادية, ولكن عزيز أباظة الذي أتقن كتابة الشعر على النسق القديم، والذي يعد تلميذًا لشوقي في كتابة المسرح، كان من الطبيعي عنده أن تظهر في مسرحياته تلك النزعة الخطابية.
وتقوم المسرحية في أساسها -كما سبق أن عرفنا- على الصراع، فإذا نظرنا -على هذا الأساس- إلى مسرحية "غروب الأندلس" نبحث فيها عن ذلك العنصر الجوهري وجدنا أن المسرحية تمثل لنا نوعًا من الصراع الحسي بين مجموعتين من الناس. وهو صراع حول الحصول على الحكم، فكلتا الطائفتين تسعى جاهدة لتثبيت أقدامها في الحكم، وتدبر -في سبيل ذلك- المؤامرات التي تنال بها من الطائفة الأخرى. فلدينا عائشة وابنها موسى وابن سراج ومن معهم يتخذون جانبًا واحدًا هو تثبيت الحكم لعبد الله بن أبي الحسن, ووراء ذلك نزعة عصبية تدعوهم إلى أن يتخذوا هذا الموقف محافظة منهم على ملك العرب. وفي الجانب الآخر نجد الثريا وابنها الأمير يحيى ومن والاهما من الإسبان يسعون إلى تقويض هذا الحكم، ويتخذون لذلك الوسائل، وربما كان من أهم هذه الوسائل التي صورها لنا المؤلف عملية التزاوج بين العرب والإسبان، فتزاوج العرب من الإسبان أتاح الفرصة لخروج أجيال تكاد لا تخلص للعرب، وربما كانت ميولها أقرب إلى الإسبان. كل هذا جعل عناصر هذا الملك العربي لا تحتفظ بصفاتها وأصالتها، بل تدخل فيها تلك العناصر الأجنبية التي ستعمل فيما بعد لتثبيط الهمم أو لمساعدة الإسبان. هناك إذن هذا الصراع الحسي الذي نلمسه بين هاتين الطائفتين، وهو لا يسمو إلى أن يكون صراعًا حول فكرة، وكذلك لا يصل إلى أن يكون صراعًا نفسيًّا يتجاذب شخصية أو مجموعة من الأشخاص, ووصفه بأنه صراع حسي يقصد به إلى بيان أن العمل المسرحي هنا لم يكن في أدق مظاهره، فلم يكن صراعًا حول مذهب فكري مثلا، ولم يقم ليصور لنا مشكلة إنسانية -كما هو الشأن في المسرح- ولكن كانت مشكلة هذه المسرحية -كما قلنا- مشكلة الحصول على الحكم. وهي مشكلة لا تتضمن أي موقف فكري إنساني يهتم به كل إنسان في كل زمان ومكان, ومن هنا نلمس مدى تحقق هذا العنصر المسرحي الجوهري -وهو عنصر الصراع- في هذه المسرحية. فقد كان تحققه على هذا النحو البعيد عن مشكلات القارئ

اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 144
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست