اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 270
وأمثالهم في القلوب موجودة [1] , عقد أمير المؤمنين على رضي الله عنه مقارنة بين العلم والمال، باعتبار أن العلم الشرعي هو عماد أهل الآخرة ومعقد عزهم وشرفهم في الدنيا والآخرة، والمقصود بالمال هنا الذي يجمعه صاحبه لذاته ولا يتوجه فيه بالطاعات وفق شرع ربه، وقد سوغ هذا الحكم بعدة أمور:
(أ) أن العلم يحرس صاحبه بينما صاحب المال هو الذي يحرسه: فأما حراسة العلم صاحبه فإن العلم الإلهي يقى صاحبه من المهالك في الدنيا والآخرة، فأما أمر الآخرة فظاهر معلوم، حيث إن هذا العلم يقود صاحبه إلى رضوان الله تعالى والجنة ويجنبه طريق النار، وما أعظمها من مطالب وما أبلغها من مكاسب، وأما الوقاية من مهالك الدنيا فإن السعادة الروحية الحقة لا تكون إلا باليقين الذي تتضاءل أمامة الحياة الدنيا، فتصبح جميع مآسيها ونكباتها بردًا وسلامًا على أصحاب اليقين، لأنهم لا يلقون لها بالاً، ولا يعيرونها اهتمامًا، بينما تتحول هذه المآسى والنكبات إلى حياة جحيمية على أهل الدنيا الذين يعتبرون الحياة الدنيا هي رأس المال والمكسب، وأما حراسة صاحب المال ماله فأمرها ظاهر، فكم تملك أصحابها من الهم والخوف عليها تململ المريض، وباتوا يحرسون أموالهم بالهم والقلق والحزن المنهك [2]. والعلم ينور بصيرة صاحبه في الاختيار الأفضل وفي استخلاص العبر من الأمم الماضية والعيش بها في الحياة، والعلم يفتح آفاقًا واسعة في فقه الخلاف، ومعرفة المصالح والمفاسد، والمقاصد، وترتيب الأولويات فيسير صاحبه بنور بين الناس.
(ب) أن العلم ينمو ويترسخ بالعمل: لأن العمل تطبيق للعلم، فهو بذلك يزيده عمقًا في الذاكرة، بخلاف المال فإن الإنفاق منه ينقصه، ولا يغيبنَّ عن البال أن المقصود هنا أموال أهل الدنيا التي ينفقون منها من أجل الدنيا، أما أموال أهل الآخرة فإنها محكومة بالعمل الشرعي، فالإنفاق منها يزيدها نموًا كما جاء في قول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما نقص مال عبد من صدقة» [3]. [1] حلية الأولياء (1/ 75)، صفة الصفوة (1/ 329). [2] التاريخ الإسلامي للحميدي (12/ 442). [3] المصدر نفسه (12/ 442).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 270