اسم الکتاب : أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 429
ولو كان فى الظاهر مقدمهم والمطاع فيهم، فهو فى الحقيقة يرجوهم ويخافهم فهو فى الظاهر رئيس مطاع، وفى الحقيقة عبد مطيع لهم [1].
وهذا كلام خطير على القيادات الإسلامية أن تستوعبه وتتحرر من رقة القلب ولينه أمام مطالب الجماهير، عندما تكون مطالبهم لا تخدم دين الله وشرعه، فالحسن بن على يعلمنا الاستعلاء بالمبادئ والقيم على حظوظ النفس الخفية، فقد تعرض لهجوم كاسح من بعض أتباعه الذين لا يريدون الصلح مع معاوية، ومع هذا رد عليهم ردًا جميلاً وحاول الارتقاء بهم، وبيَّن لهم دوافعه التى دفعته للتنازل لمعاوية، من حفظ الدماء، ووحدة الأمة، وابتغاء ما عند الله تعالى، ونجح فى قيادة الأمة بأسرها لتحقيق مشروعه العظيم، ولم يتأثر بضغوط القواعد الشعبية، ولا بغيرها، وهكذا القادة الربانيون يفعلون، لقد كان الحسن رضى الله عنه فى صلحه مع معاوية مصيبًا بارًا راشدًا ممدوحًا وليس يجد فى نفسه حرجًا ولا تلومًا ولا ندمًا، بل هو راض بذلك مستبشر به [2]، وكان رضى الله عنه يرد على منتقديه بأدب جم وحجة ظاهرة، فعندما قال له أبو عامر سفيان بن الليل: السلام عليك يا مُذل المؤمنين، فقال له الحسن: لا تقل هذا يا أبا عامر لست بمُذل المؤمنين، ولكنى كرِهت أن أقتلهم على الملك [3]. وعندما قال لهم: العار خير من النار [4]، فقول الحسن رضى الله عنه: العار خير من النار يفتح لنا آفاقًا واسعة فى فقه القدوم على الله تعالى، فقد كان رضى الله عنه عاملاً به فى حياته مستوعبًا لأبعاده يظهر ذلك فى سكناته وحركاته واختياراته رضى الله عنه وأرضاه.
- من حياة الحسن فى المدينة بعد الصلح:
ترك الحسن الكوفة بعد تنازله لمعاوية ورجع بمن معه من أصحابه وبنى هاشم إلى المدينة واستقر بها، وكان الهاشميون محل الإجلال والتكريم والاحترام من معاوية رضى الله عنه، وكانت زعامتهم عند الحسن بن على رضى الله عنه، [1] العبودية لابن تيمية، ص (48، 49). [2] البداية والنهاية (12/ 141). [3] البداية والنهاية (12/ 141). [4] المصدر نفسه (12/ 204).
اسم الکتاب : أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 429