اسم الکتاب : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 233
ولم يعمر خير الدين بعد ذلك طويلاً، ومضى الى جوار ربه، وكان قد سبقه رفيق جهاده حسن باشا الطوشي سنة 1544م.
وغاب بوفاة (خير الدين) نجم طالما أضاءت له سماء المسلمين في البر والبحر، وانطوت بغيابه صفحة ناصعة من صفحات الجهاد في سبيل الله لتبدأ صفحة جديدة.
لقد قاد خير الدين حروب الإيمان وحقق فوزاً عظيماً واتصف بالوفاء والاخلاص وإنكار الذات والاستعداد الدائم للتضحية والصدق والشجاعة بكل أشكالها ويحفظ لنا التاريخ رده على شارلكان عندما قال له (يجب ألا تنسى أن الاسبان لم يخذلوا في معركة، وأنهم قتلوا أخويه الياس وعروج، وان تمادى فيما هو عليه وركب رأسه فإن عاقبته ستكون كعاقبة أخويه). فأجاب خير الدين: (سترى غداً، وإن غداً ليس ببعيد، أن جنودك ستتطاير أشلاؤهم وإن مراكبك ستغرق، وإن قوادك سيرجعون إليك مكللين بعار الهزيمة). وعندما حاصر شارلكان الجزائر بعد وفاة عروج بربروسة خرج له خيرالدين ومعه حزم وعزم، وتلا على جميع قواده وجنوده قوله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} وتقدم للميدان ومعه رجاله، وقال لهم: (إن المسلمين في المشرق والمغرب يدعون لكم بالتوفيق، لأن انتصاركم انتصار لهم، وإن سحقكم لهؤلاء الجنود الصليبيين سيرفع من شأن المسلمين وشأن الاسلام) [1].
فصاحوا كلهم (الله أكبر) وهاجموا الاسبان فأبادوهم عن آخرهم) [2].
إن هذه الصورة لا تختلف أبداً، لا في شكلها ولا في مضمونها عن صور أولئك القادة المجاهدين في سبيل الله، والذين خرجوا من جزيرتهم فحملوا الى الدنيا رسالة الاسلام. غير أن الموقف العام لم يكن في عهد (خير الدين) مشابهاً لما كان عليه أيام الفتح، فقد أخذ الضعف طريقه الى قلوب المسلمين وانظمتهم فقد كانوا من قبل تحت قيادة واحدة لاتسمح لأعداء الداخل بالظهور أو بممارسة دروهم في التأثير على التيار العام. في حين أصبح لهؤلاء دورهم في توجيه الأحداث وكان أخطر ما في الأمر أن هؤلاء كانوا يحتلون مراكزاً قيادية تسمح لهم بممارسة دور خطير ضد مواطنيهم وإخوانهم في الدين.
لقد كان من المحال تحقيق النجاح في مثل هذه العمليات لو لم تتوافر كفاءة قيادية عالية، تتولى إدارة المعركة في كل مرحلة من مراحلها الصعبة. [1] انظر: خير الدين بربروسه، ص170،171. [2] المصدر السابق نفسه، ص171.
اسم الکتاب : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 233