responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب    الجزء : 1  صفحة : 287
استجدوا عددا، واستنجدوا مددا، واستجدوا ممن وراءهم عددا. وأحكموا التدبير، واستأنفوا المسير.
ومنها يوم انفصالهم عن قيسارية، وبرتهم الرماة، وبرتهم بالمبرية، وأنفذت إليهم رسل المنية. وقتلن منهم مقتلة جيدة، ولم تزل السهام إلى مقاتلهم مصوبة مسددة،
إلى أن احتموا بالنزول، وحلوا عقد تلك البلية عنهم بالحلول. وقد قتلت من خيلهم عدة ألف رأس، لم ينفصل راكبها ألا وهو من ثوب النجيع كاس. ثم كانت المياه في طريقهم متقاربة المناهل، والمسافات غير متباعدة المنازل. فإذا لزوا بالمنازلة، ارتزوا إلى المنزلة. ولاذوا وهم أهل النار بالماء، وقادهم العجز عن الاحتمال إلى الاحتماء.
ثم استقلوا منتصف شعبان سائرين على البحر بعادتهم وعاديتهم، شاكين في منعتهم، ممتنعين بشوكتهم وشكيتهم. والخيل تجري بهم جريان السيل، والراجل يلتف عليهم في مثل سواد الليل. العساكر الإسلامية جائلة في عراضهم، مائلة إلى اعتراضهم. موفقة في مرامها، مفوقة لسهامها، محرقة أهل الجحيم بضرامها.
ولما نشب فيهم النشاب وأعجزهم؛ وأزعجهم وأحرجهم بكثرة النكاية فيهم وأرهجهم؛ كابروا وصابروا إلى أن وصلوا ارسوف، وقد شارفوا الخسوف، وقاربوا الحتوف. فحملوا بجمتهم حملة واحدة، وجاءوا كالسحاب بارقة وراعدة.
واندفعت الاطلاب الإسلامية أمامها. ولم تثبت قدامها. حتى ابعدوا بجملتهم في حملتهم، وتفردوا بحركتهم في معركتهم. وظنها السلطان هزيمة، وبانت بالعاقبة إنها كانت عزيمة. فإن القلب المنصور ثبت فئة للمتحيز، وموئلا للمتفزز المتحرز. ووقف الأخ العادل ثابتا قلبه، نابتا طلبه. وكر عليهم في حزبه ذوي الحمية، والأنف والابية، والهمم العلية؛ كرة ردتهم وأردتهم، وصدفتهم عن بلوغ الغاية وصدتهم. فاستدركت ما فرط في النوبة من النبوة واستمسكت بما استأنفته في العزمة من القوة. وقتلت منهم كندا كبيرا، وعددا كثيرا، وعاد نظيم هامهم بالعراء نثيرا. ونزلوا بأرسوف، راغمي الأنوف. قد فل جندهم، وقتل كندهم.
وهذا طاغوتهم الهالك بسيف سيف الدين، كان مطاع أولئك الملاعين، وإبليس تلك الشياطين والمعروف بسير جاك، واستمر حكمه، قبل وصول ملوك الإشراك.
وتحت حكمه عدة كثيرة من القوامص والبارونية. ونفذ أمره على الداوية والاسبتارية. وكان من عظم شأنه، وفخامة مكانه؛ إنه يوم صرع قاتل دونه جماعة من المقدمين المحتشمين، فما قتل حتى قتلوا، ولا بذل روحه حتى بذلوا. وجزع ملك الانكتير لمصرعه، وفزع من ورود مشرعه.
ونزلت العساكر الإسلامية على الماء وهو بعيد من مخيم الكفار، وخيمت عليه بحكم الاضطرار. ثم رحلوا وقصدهم العسكر فصادفهم بقرب يافا، وكل منهم استدرك بقصده إياها تلفه وتلافى. فجال دونهم لقدح منونهم مجيلا، ومن جمعهم بقمعهم مديلا، وعلى قومهم بوقمهم محيلا. حتى باسطهم في ميادينها، وخالطهم في بساتينها، ورابطهم بالأسود في عرينها وأسرى الحين إلى سراحينها.
فما وصلوا المدينة إلا وقد تخطفوا من حولها، واستولى الرعب على قلوبهم من بأس الحرب وهولها، وخافوا من فريضة مسألة النكاية

اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب    الجزء : 1  صفحة : 287
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست