اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 286
وصدتهم. وفرست منهم فوارس، وأتعست معاطس. وفرشت بالعراء لهم أشلاء، وأثخنوهم طعانا ورماء. فنزلوا في ارسوف وقد كسروا وخسروا، وقتل قوم منهم وأسروا.
وفي ذلك اليوم ثبت على صدمة القوم الملك العادل - سيف الدين، وحمل في أصحابه أسد العرين. وسدد إلى نحورهم الشوارع، وقلع منهم قلائع. وثبت عسكر الموصل، وكذلك قايماز النجمي في موضعه الأول. وكانت العساكر في شعراء اشبة، وشجراء منتشبة.
فلما رأى العدو اندفاع المسلمين قدامهم، لم يأمن رجعتهم وإقدامهم.
فعاد وعبر ارسوف ونزل قريبا من الماء. وبات السلطان تلك الليلة على نهر العوجاء، وأقام العدو يوم الأحد في موضعه، منكوبا بتعب تبعه. ثم رحل يوم الاثنين سائرا إلى يافا، ليستدرك بها فارطه ويتلافى. ونازلتهم العساكر بالنوازل إلى أن نزلوا، وقطعوا طرقاتهم حتى وصلوا.
فصل من كتاب السلطان إلى الديوان العزيز يشتمل على ذكر الوقائع المذكورة بعد الرحيل من عكاء
ساروا في مواضع ما لليزك عليهم فيها سبيل، ولا لقداح القراع في مجالها مجيل. وعساكرنا تضايقهم في كل مضيق، وتطرقهم بالبلاء بل المنايا في كل طريق. وهم على البحر لا يفارقونه ومن المورد إلى المورد في كل مرحلة لا يتجاوزونه. فإن المياه قريب بعضها من بعض ومسيرهم بمقدار مسافة ما بين المنهلين، وإذا
لزوا لم يبعدوا بين المنزلتين. وكانت لنا إلى هذه الغاية معهم في كل بقعة وقعة، وفي كل مرحلة مقتلة، وفي كل منزلة منازلة. وأولدناهم الردى في كل مورد، وقصدناهم بالشدائد في كل مقصد. وسبلنا حماهم للحمام في كل سبيل، وساء صباحهم منا في كل مغدى ومقيل. وطريقهم على البحر كلها مضايق وأجم ورمال، ومواضع لا يتسع فيها مجال ولا يتهيأ قتال.
وكلما وجدنا فسحة ضايقناهم، وأرهفنا حدود العزائم والصوارم وأرهقناهم. وجرت معهم عدة وقعات كاد الكفر فيها يبور، ودائرة السوء على أهله بنا تدور، وماء أهل النار بفيض بأسنا عليهم يغور. ولولا إن الله تعالى قد أخر موعده في نصر أوليائه. وقهر أعدائه، لوقع الفرار من شغلهم، وشملت نعمته لنا بتبديد شملهم.
فمنها: يوم رحيلهم عن عكاء أرهقتهم اليزكية، ونكأت فيها منهم الرمية بل المنية. وكان الود الأفضل يومئذ متولي اليزك، فتولى إسعار لهب المعترك. ووقف لهم في المضيق على الطريق، وباشر جمعهم بالتفريق. وقطع آخرهم عن أولهم، وعاق الساقة عن الوصول إلى منزلهم. وبتر وبتك، وفتك وهتك، وقتل وسفك، وطلب وأدرك.
وعبر الفرنج نهر حيفا لما دهمهم من الأمر، واحتموا بالمنزل الوعر. ووصل عسكرنا وقد تمنعوا بالنزول، وتجمعوا في الوعور عن السهول، ولم يبق اليهم نهج للوصول. وأقام الفرنج في تلك المنزلة أياما، وقد نالت معاطسهم إرغاما. حتى
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 286