اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 248
العدو بطرابلس واستاقه، ولم يطق الكفار لحاقه. واقتطع لخاصة منه أربعمائة رأس، تلف منها في الطريق أربعون، غير ما كان أصحابه منها يقتطعون. وأنه غنم أيضا أبقارا وآب قارا، وسار بالغنيمة سارا. وأهدى لي من ذلك بغلة سرجية، عالية فارهة فرنجية. وقال رسوله: لما أبصرها واستحسنها، قال: تصلح للعماد. فإنه إذا ركبها زينها.
وفي ليلة هذا اليوم وهو السبت، كبت الريح سفينة للفرنج على ساحل الزيب وغالها الكبت، وكان فيها من الفرنج خلق، فغرق في بحر الأسر؛ من لم يسر إليه في البحر غرق. وفيهم امرأتان سبيتا، وما هديتا بل أهديتا. وشاهدت الأسارى قدام السلطان وقد أحضروا، فردهم على الذين أسروا.
وفي أول ليلة من شهر ربيع الأول، خرج أصحابنا من البلد على العدو بالنائب الأعضل، والناب الأعصل. وكبسوه في مخيمه، وخيموا عليه في مجثمه. فما انتهبوا لهم حتى اسروا من الفرنج وقتلوا جمعا، وأوسعوهم إلى أن ضويقوا قمعا. وعادوا سالمين غانمين، كاسرين كاسبين. ومعهم اثنتا عشرة امرأة في السبي، وعرف الله لهم حق ذلك السعي.
وفي الأحد ثالث هذا الشهر، شهر سلاح الحرب أهل الكفر. وخرجوا على اليزك، وكانت النوبة للحلقة المنصورة خواص السلطان مساعير المعترك. وعظمت الوقعة، وفخمت الروعة، وصدمت الصدعة، واحتدمت على الفرنج بنارها الصرعة. وهلك منهم عالم كثير، وقتل منهم مقدم معروف كبير، ولم يفقد منا إلا خادم رومي صغير. عثر به في الحملة فرسه فلم ينتعش، واستشهد ليعيش في الآخرة مع من في الدنيا مات في سبيل الله ولم يعش. وهذا الخصي كان فحلا من
الفحول، ناهضا على الكفر للإسلام بحمل الذحول.
وانتهى إلينا أن الفرنج على عزم الخروج ليحتشوا ويحتطبوا مما حولهم من المروج. فلا مرعى لدوابهم ولا علف، وأن لم يتلافوها لا لاحتشاش خشوا عليها التلف. فأمر السلطان أخاه الملك العادل أن يذهب ويقصد الساحل. ويكمن بعسكره وراء التل الذي كانت فيه قديما منزلته، وهناك نصرت وقعته ووقعت نصرته.
ومضى السلطان بنفسه في خواصه وأجناده، وأقاربه وأولاده، فكمن وراء تل العياضية، في العصبة المنصورة الناصرية. وذلك يوم السبت تاسع شهر ربيع الأول، مستظهرا بصحبة ولده الملك الأفضل. ومعه أيضا أولاده الصغار؛ ليستأنسوا بالحرب، ويدمنوا على مباشرة الطعن والضرب. فعرف العدو الخبر، فما أقدم على الخروج ولا جسر. فضربت للسلطان على التل خيمة حمراء، فبات فيها وحوله الملوك والأمراء.
ووصل إليه من بيروت خمسة وأربعون أسيرا من الفرنج، أخذوا بالمراكب في البحر من اللج. وفيهم شيخ هم هرم، عمره في الكفر منصرم. قد طعن في السن، ووهن
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 248