اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 125
وأصغى له ورد طوله، وأقبل عليه وقبله، وأجزل له العطاء وأكمله. وكان قد وصل له مقدمو جبل بهرا، فوفر لهم رواتبهم وأجرى. وخلع عليهم وشرفهم، وأسعدهم بالمواهب وأسعفهم. فندبوا إلى أتباعهم، وكتبوا إلى أشياعهم. وأجمع السلطان على دخول الساحل بتلك العساكر والجحافل.
ورحل يوم الجمعة رابع جمادى الاول، حافل الجحفل سامي القسطل. ماضي المنصل. فسرنا في آجام مؤتشبة، وآكام معشبة. وحزون وسهول، وشعاب وتلول. ومعالم ومجاهل، رواب وهواجل. ومغايض وغياض، وارتفاع وانخفاض. حتى خرجنا إلى ساحة الساحل، ونزلنا بها ومبارك مبارنا مواحي رسوم تلك النواحي المواحل. ومعنا أحمال واوساق وأثقال وأسواق. وأزواد وإمداد، وعدد وإعداد. والخيل عرموم، والسيل عرم. والمجر لجب، والغيل أشب، والأسد في عريس من الاسل العراص، والفوارس الصلاد في غدران من السوابغ الدلاص، وقد نشأ العجاج كعجاج النشاص.
فانحلت بحلولنا معاقد المعاقل، واعتلت باستيلاء فحولنا عقائد العقائل. وحلت لخطبة سيوفنا كرائم الحوالي والعواطل. ونحن في استباحة واستباء واصطلام واصطلاء، وارتياد وارتياء، وفتك بأعداء، وسفك لدماء. وبتك لرقاب ذوي الفجور، وهتك لحجاب ذوات الخدور. ننال من العدو كل نيل، وندير عليه في داره دائرة كل ويل. فما نقطع إلا واديا يغيظ الكفار، ولا نحضر الا ناديا نزيدهم به الدمار.
وسرنا الساحل الساحل، في ثلاث مراحل. حتى وصلنا إلى انطوطوس يوم الأحد
سادس الشهر. فأحدقنا بها من البحر إلى البحر. وزحف إليها الناس، وحفز عليها الباس، وخاب رجاء رجالها وخب نحوها الياس. وقاتلناها ساعة، فلم يجد أهلها للدفاع استطاعة. ودخلت من جوانبها، وتخللت من مذاهبها، وأصابتها نوائبها، ونابتها مصائبها، وفل غربها وجب غاربها. وقتل من لحق من رجالها، ونهب ما وجد من أموالها، ونقل ما صودف من غلالها، وسبى من أخذ من نسائها وأطفالها.
واعتصم من نجا ببرجين اعتصما بالامتناع، وهما هناك من أحكم القلاع. وفي أحدهما الداوية جمرة الكفر، ومعهم مقدمهم الذي أطلق من الأسر.
وفي البرج الآخر المنهزمون الناجون، والفارون إليه اللاجون. فنزل على هذا البرج مظفر الدين بن زين الدين، فأبدى لمن استتر فيه وجه التأمين، وحركهم إلى الخروج بالتسكين. ووثقوا بأمانه وأمنوا بميثاقه، ومكن كل منهم لسلاكته من تسلم مكانه.
فلما ظفر مظفر الدين بالبرج هدمه وهده، وحل من أحكامه ما الكفر شده. وركب النقب على ركنه العالي، ونكبه في ذلك اليوم بما تنكبت عنه نواكب الليالي. وخرب إلى أساسه سوره، ورمى إلى البحر صخوره. وامتنع برج الداوية لدائها الدوى، واتبع مردتهم في التمرد هوى طاغوتهم الهوى.
وأقام العسكر حتى نقض أسوار انطرطوس وقوضها، وربضنا بها إلى أن عفينا ربضها.
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 125