اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 332
في رجوعك، هلا قصدت مصر؟ فيرد الكامل: لقد خفت على قلب الملك الناصر، فيشير عليه ابن شداد أن يخرج حريمه من ميّافارقين، ويستخلف نوّاباً، ويعود للملك الناصر، لعل تنهض عزيمته. ويتضح لنا من هذا الحديث بين الكامل وابن شداد أن فكرة قصد مصر كأمل أخير للوقوف في وجه التتار قد خطرت على بال الكامل، لكنّه لم ينفذها حتى لا يغضب الناصر في وقت هو بأمس الحاجة إليه، كما نتبين أن ابن شداد كان مطلعاً على الوضع العام، فقد عرف أن وضع الجزيرة ميؤوس منه فنصح الكامل بإخراج حريمه من ميّافارقين، وعرف أن الناصر متخاذل خائف يحتاج لاستنهاض عزيمته [1].
5 ـ سقوط ميّافارقين واستشهاد الكامل: بعد أن تمّ للمغول الاستيلاء على اربل، أمر هولاكو الأمراء يشموت وايلكا نويان وسونتاي بالتوجه إلى مدينة ميّفارقين، ولما بلغوا حدودها أرسلوا رسولاً من قبلهم إلى الملك الكامل الايوبي صاحبها يدعونه إلى الخضوع، والطاعة لهم ويتوعدونه بالهلاك والدمار في حالة عصيانه لهم، إلا أن الملك الكامل قابل ذلك التهديد بالرفض الشديد، وذلك لما كان يعرفه عن المغول من الخيانة ونكث العهود حيث رد عليهم قائلاً: إنني لن أنخدع بكلامهم المعسول، ولن أخشى جيش المغول وسأضرب بالسيف ما دمت حيا [2]، ونتيجة لهذا الرد الحاسم من الملك الكامل، إتفق الأمراء المغول على مهاجمة ميافارقين، وإنتزاعها بالقوة من يد حكامها وفي الوقت نفسه أخذ الملك الكامل يعد نفسه وقواته لمواجهة ذلك الخطر، حيث عمد إلى تطييب خواطر سكان مدينته ورفع روحهم المعنوية، بإعطائهم وعداً ببذل كل ما يملك من الذهب والفضة والغلال الموجودة بالمخازن في سبيل الدفاع عن مدينتهم، فاتحد معه سكان المدينة جميعاً وأعلنوا له أنهم رهن إشارته، وعلى إستعداد للجهاد ضد العدوان المغولي الذي بات يهدد مدينتهم بالخراب والدمار، واستطاع مسلمو ميافارقين أن يصمدوا واستبسلوا في القتال ([3])،
وصمدت المدينة الباسلة، وظهرت فيها مقاومة ضارية، وقام الأمير الكامل محمد في شجاعة نادرة يشجع شعبه على الثبات والجهاد، وكان من المفروض في هذا الحصار البشع الذي ضرب على ميافارقين أن يأتيها المدد من الإمارات الإسلامية الملاصقة لها، ولكن هذا لم يحدث لم تتسرب إليها أي [1] جهاد المماليك صـ 53. [2] جامع التواريخ نقلاً عن جهاد المماليك صـ 75. [3] جهاد المماليك صـ76 ..
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 332