اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 292
أمور الناس إنما تستقيم بالعدل الذي يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة ويقال: إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام وذلك إن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت وإن لم تقم بالعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة [1]، ولقد حدثت مظالم عظيمة في عهد الأيوبيين، فقد سفكوا الدماء فيما بينهم، فقاتل الأخ أخيه والعم بني أخيه ظلماً وجوراً وتسلطاً على العباد والبلاد وحصرت دمشق وتعرض أهلها للمجاعة بسبب الأهواء والنزوات وإسراف بعض سلاطينهم في المال العام وتم الإعتداء في بعض الأحوال على أموال الرعية بدون وجه حق وقد بينا ذلك في مناسبات عديدة في كتابي ((الأيوبيون بعد صلاح الدين، والحملات الصليبية، الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة)).
3 ـ النزف والإنغماس في الشهوات: قال تعالى: "فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً مما أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيع وكانوا مجرمين" (هود، آية: 116)، قال تعالى: "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه" أراد الذين ظلموا: تاركي النهي عن المنكرات أي لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنما إهتموا بالتنعم والترف والإنغماس في الشهوات والتطلع إلى الزعامة والحفاظ عليها والسعي لها وطلب أسباب العيش الهنئ [2]، وقد مضت سنة الله في المترفين الذين أبطرتهم النعمة وابتعدوا عن شرع الله بالهلاك والعذاب قال تعالى: "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين* فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون" (الأنبياء، آيات: 11 ـ 13)، ومن سنة الله تعالى هلاك الأمة بفسق مترفيها قال تعالى: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" (الإسراء، آية: 16). وجاء في تفسيرها وإذا دنا وقت هلاكها أمرنا بالطاعة مترفيها: أي: متنعميها وجباريها وملوكها ففسقوا فيها، فحق عليها القول فأهلكناها، وإنما خص الله تعالى المترفين بالذكر مع توجه الأمر بالطاعة إلى الجميع، لأنهم أمة الفسق ورؤساء الضلال وما وقع من سوئهم، إنما وقع بإتباعهم [1] رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صـ 40. [2] السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد صـ 186.
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 292