responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 239
من كل جانب ذكر أن جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه وكانت من جملة حظاياه وتسمى ((عرفة)) فجاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه وإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم [1]، وأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز وكثرة الستائر على دار الخلافة لكن الأمر أكبر من ذلك وأعظم [2]. لقد أتى على العالم الإسلامي عهد في التاريخ كانت الحياة فيه تدور حول فرد واحد، وهو شخص الخليفة أو الملك وحوله حفنة من الرجال هم الوزراء وأبناء الملك، وكانت البلاد تعتبر ملكاً شخصياً لذلك الفرد السعيد، والأمة كلها فوجاً من المماليك والعبيد، ويتحكم في أموالهم وأملاكهم ونفوسهم. هذا هو العهد الذي ازدهر في الشرق طويلاً وترك رواسب في حياة الأمة ونفوسها .. ولم يكن عهداً إسلامياً ولا عهداً طبيعياً معقولاً، فلا يرضاه الإسلام ولا يقره العقل، بل إنما جاء الإسلام لهدمه والقضاء عليه، فقد كان هذا هو العهد الذي بعث فيه محمد صلى الله عليه وسلم، فسماه الجاهلية ونعى عليه، وأنكر على ملوكه ككسرى وقيصر، وعلى أشرتهم وترفهم أشد الإنكار، إن هذا العهد غير قابل للبقاء والاستمرار في أي مكان وفي أي زمان، ولا سبيل إليه إلا إذا كانت الأمة مغلوبة على أمرها أو مصابة في عقلها، أو فاقدة الوعي والشعور، أو ميتة النفس والروح [3].
لقد نخر سوس الترف الدولة العباسية وأورثها ذلاً وهواناً وخوراً وضعفاً، فلم تستطع أن تقف في وجه أعاصير المغول. لقد تفاقم الشر في مركز الخلافة ((دار السلام بغداد)) وسيطرت عليه مظاهرة الأبهة الملوكية والسلطان الأعمى وتغلغل نفوذ الخدم والحشم في قصور الخلفاء، وبلغت الثروة، والمدينة ذروتهما، ولا يمكن أن تتصور ما كان يملكه الخدم والمماليك الذين كانوا لدى الخلفاء من المال والعقار، ويكفي أن نذكر على سبيل المثال أن علاء الدين الطبرسي الظاهري وهو ممن إشتراهم الخليفة الظاهر، كان يحصل له من أملاكه التي إستجد نحو ثلاثمائة ألف دينار سنوياً وكانت له دار لم تكن بغداد مثلها، كذلك مجاهد الدين آيبك الديودار المستنصري، لقد ملك جزيل الأموال من العين والرقيق والدواب، والعقار، والبساتين، والضياع، ويتعذر وصف ما أنفقه من قناطير مقنطرة من الذهب، والفضة والجواهر التي جهز بها أولاده وبناته في ليالي الزفاف، كما أن الفراش الصلاح عبد الغني بن فاخر المتوفي 648هـ، وكان شيخ الفراشين بدار

[1] البداية والنهاية (13 ـ 190)، كيف دخل التتار صـ42.
[2] كيف دخل التتار بلاد المسلمين صـ42.
[3] الترف د. محمد موسى صـ41.
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 239
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست