اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 216
شرقاً وغرباً وشمالا وجنوبا، وكان صاحب خبرة ودراية بمختلف العلوم المتاحة في عصره يدل على ذلك، اختياره للخامات ومعرفته بخواصها، واجادته لاستعمالها والاستفادة منها، فقد استعمل المعادن على احسن ما خلقت له ووظف الإمكانات على خير ما أتيح له "آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً" (الكهف، الآية: 96).
- كان واقعياً في قياسه للأمور وتدبيره لها، فقد قدّر حجم الخطر، وقدّر ما يحتاجه إليه من علاج، وذكر القرآن الكريم أخلاقه القيادية من الصبر والمهابة والشجاعة والتوازن في شخصيته وكثرة ذكره لخالقه وعفته عن أموال الناس ورحلاته الجهادية في سبيل الله والمفاهيم الحضارية التي مارسها في حياته ومن أراد التوسع فليراجع كتابي ((فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم)) [1].
هذه المعايير والمقاييس والأخلاق في الاختيار الحاكم غابت عن المسلمين وتولى منصب الخلافة من ليس بأهل لها، وبالتالي ساهم ضعف الخليفة في سقوط الدولة العباسية.
2 ـ إهمال العباسيين لفريضة الجهاد:
إن أخطر العوامل التي أسقطت خلافة العباسيين إهمالهم لفريضة الجهاد، فبعد المعتصم المتولي أمور الدولة سنة (833هـ) لم نسمع عن معارك ذات شأن قامت بها الدولة، ولم يكن مبدأ ((الجهاد الدائم)) حماية لهذه الدولة المترامية الأطراف أحد أركان السياسة العباسية، لقد تقوقعوا في مشاكل الدولة الداخلية، فحصرتهم مشاكلها وماتوا ببطء، ولو أنهم وجهوا طاقة الأمة نحو ((الجهاد)) ضد الصليبيين، لتغير أمر الحركات الهدامة التي قدر لها أن تظهر وتنتشر، وذلك أن هذه الحركات لا تنتشر إلا في جو مليء بالركود والفساد والمناخ الوحيد الصالح للقضاء عليها هو المناخ القتالي الذي يكشف المعادن النقية، ويذيب المعدن الرخيص، لقد كانت الحاجة الإسلامية ملحة إلى ضرورة رفع راية الجهاد، وكانت الدولة الإسلامية التي تعرضت للإنشقاق والتمزق تحتاج إلى هذا الصمام ليحميها من جو السكوت والاستسلام، لكن العباسيين غزوا في عقر دارهم فذلوا، ولم يرفعوا راية الجهاد ضد الغزو الخارجي، [1] فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم صـ163 ـ 184.
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 216