responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 378
ولا على العكس، وتجري هذه الانتقالات بأسباب أخرى حتى في القتال بالسيف، ولذلك لم تجر عادة السلف بالدعوة لهذه المجادلات، بل شددوا القول على من يخوض في الكلام ويشتغل بالبحث والسؤال [1]. وازداد الغزالي - مع الأيام، وبعد التجارب العلمية - اقتناعاً بأن أسلوب القرآن في الإقناع أبلغ وأنفع وأعم وأشمل للطبقات والمستويات الفكرية المختلفة، وبأن علم الكلام علاج مؤقت ومختص بمن نشأ عنده شكوك وشبهات ولا حاجة للطبائع السليمة والعقول المستقيمة له. أما القرآن فكان الغذاء الصالح، والماء السائغ، يحتاج إليهما كل إنسان وينتفع، ولا ضرر فيه ولا خطر. يقول في كتابه «إلجام العوام عن علم الكلام» الذي هو من آخر مؤلفاته [2]: فأدلة القرآن مثلُ الغذاء، ينتفع به كل إنسان، وأدلة المتكلمين مثل الدواء، ينتفع به آحاد الناس، ويستضُّر به الأكثرون؛ بل أدلة القرآن كالماء الذي ينتفع به الصبي الرضيع، والرَّجل القوي، وسائر الأدلة كالأطعمة التي ينتفع بها الأقوياء مّرة، ويمرضون بها أخرى، ولا ينتفع بها الصبيان أصلاً [3].
ويذكر تجربته ومشاهدته كشاهد على ذلك: والدليل على تضرر الخلق به، المشاهد والعيان والتجربة، وما ثار من الشر منذ نبغ المتكلمون وفشت صناعة الكلام، مع سلامة العنصر الأول من الصحابة عن مثل ذلك [4].
وهكذا تتجلى شخصية الغزالي في نقد الفلسفة وعلم الكلام شخصية فريدة مستقلة التفكير، قوية التأثير تمتاز بسلامة الفكر، واتّزان العقل، وحصافة الرأي، وعمق النظر، والثقة بالنفس، له منهج خاص في نقد الفلسفة، وعلم الكلام، وإثبات العقيدة الإسلامية، وهو ممن توفرت عنده أدوات الاجتهاد في هذا الموضوع، فكان من أئمة هذا الفن المجتهدين، ومن كبار المؤلفين المنتجين [5].

خامساً: الغزالي والتصوف:
كان التصوف أحد العلوم الشرعية الحادثة في الملة، وأصله العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخارف الدنيا وزينتها، والانفراد عن الخلق وهذه الصفات كانت عامة في الصحابة والسلف، ولما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة [6]. ويغلب على الظن أن هذا

[1] فيصل التفرقة، ص 69 - 70.
[2] رجال الفكر والدعوة (1/ 211).
[3] إلجام العوام عن علم الكلام، ص 20.
[4] المصدر نفسه، ص 20.
[5] رجال الفكر والدعوة (1/ 211).
[6] الإمام الغزالي للشامي، ص 99 نقلاً عن مقدمة ابن خلدون.
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 378
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست