responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 375
الذي هو أشرف الأشياء لأنه مركب الديانة، وحامل الأمانة، إذ عرضت على الأرض والجبال والسماء، فأشفقن من حملها وأبين أن يحملنها غاية الإباء [1]. وها هو في الإحياء نراه يدعو إلى المزج بين العلوم العقلية والعلوم الدينية ويبين الحاجة إلى كل منهما، ويقرر أنه لا غنى بالعقل عن السمع، ولا غنى بالسمع عن العقل. فالداعي إلى محض التقليد مع عزل العقل بالكلية جاهل, والمكتفي بمجرد العقل عن أنوار القرآن والسنة مغرور، فإياك أن تكون من أحد الفريقين، وكن جامعاً بين الأصلين، فإن العلوم العقلية كالأغذية والعلوم الشرعية كالأدوية، والشخص المريض يستضر بالغذاء متى فاته الدواء، فكذلك أمراض القلوب، لا يمكن علاجها إلا بالأدوية المستفادة من الشريعة [2].
ثم يحمل الغزالي بقوة على من يظن أن هناك تناقضاً بين العقليات والشرعيات فيقول: وظن من يظن أن العلوم العقلية متناقضة للعلوم الشرعية وأن الجمع بينهما غير ممكن، هو ظن صادر عن عمى في عين البصيرة نعوذ بالله منه، بل هذا القائل ربما يناقض عنده بعض العلوم الشرعية لبعض فيعز عن الجمع بينهما، فيظن أنه تناقض في الدين، فيتحير به، فينسل من الدين، انسلال الشعرة من العجين، وإنما ذلك لأن عجزه في نفسه خيل إليه نقصاً في الدين وهيهات [3].
6 - انتصار الفكر السني في العهد السلجوقي: إن المعارك الفكرية ليست بأقل خطراً في حياة الأمة من المعارك العسكرية، ذلك أن الغزو الفكري أسوأ وأشد خطراً على الأمة من الغزو العسكري. ولقد انتصر الغزالي في معركته مع الفلسفة دفاعاً عن الإسلام، فاستطاع في أقل التقديرات أن يرد الفلسفة، فيجعلها في موقع الدفاع بعد أن كانت في موقع الهجوم, واستحق بجدارة أن يلقب بحجة الإسلام، وانفرد بهذا اللقب الذي بيَّن مكانة الرجل في تاريخ الفكر [4]. إن الأمة اليوم في أشد الحاجة لحجة إسلام جديد يفضح المناهج الغربية والدساتير الوضعية، والشعارات البرّاقة في مجال الحريات، والعدل، وحقوق الإنسان والمرأة، ونظام الحكم، ومحاسبة الحكام، وغير ذلك من الشعارات والمبادئ الزائفة، فيقدم البدائل الصحيحة من خلال كتاب الله وسنة رسوله وعقيدة الأمة وتراثها، فينتصر للإسلام في المعركة الفكرية الخطيرة التي تدار رحاها بين الثقافات والحضارات، فيبين عوار مناهج الخصوم، ويستفيد من الحق الذي معه ويطرح المشروع الفكري الإسلامي في أبهى حلة، مع جمال الألفاظ في العرض، وعمق المعاني في الأسلوب مؤيداً لأفكاره بالحجج الدامغة والبراهين الساطعة والأدلة الواضحة.

[1] المستصفى (1/ 3).
[2] الإحياء (3/ 17).
[3] الإحياء (3/ 179) , الإمام الغزالي بين مادحيه وناقديه، ص 46.
[4] الإمام الغزالي للشامي، ص 88.
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 375
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست