اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 369
ثالثاً: موقف الغزالي من الفلاسفة والفلسفة:
يمتاز الغزالي عن كل من سبقه في محاربة الفلسفة، أنهم اتخذوا موقف الدفاع عن الإسلام وعقائده، والاعتذار عن الدين الإسلامي, فكانت الفلسفة تهاجم الإسلام، وهؤلاء يدافعون عن الإسلام وينفون التهم الموجهة إليه، ويحاولون أن يبرروا موقفه، ويلتمسوا العذر لعقائده ونظرياته، فكأنَّ علم الكلام كان جُنَّة تتلقَّى هجمات الفلسفة وتُحصّن العقيدة الإسلامية، ولم يجترئ أحد من المتكلمين أن يُهاجم الفلسفة ويغزوها في عقر دارها، لعدم تعمقهم في الفلسفة وتضلعهم من أصولها وفروعها، ولعدم تسلحهم بالأسلحة التي يُواجهون بها الفلسفة ويوسعونها جرحاً ونقداً؛ فكان موقفهم موقف الدفاع عن قضية، وموقف الدفاع دائماً ضعيف، أما الغزالي، فقد هاجم الفلسفة وتناولها بالفحص والنقد، وهجم عليها هجوماً عنيفاً مبنياً على الدراسة والبحث العلمي، حجة مثل حجة الفلسفة، وعقل مثل عقل الفلاسفة الكبار، ومدوَّني الفلسفة، وألجأ الفلسفة إلى أن تقف موقف المتهم، وألجأ مُمثليها إلى أن يقفوا موقف المدافعين، فكان تطوراً عظيماً في موقف الدين والفلسفة، وكان انتصاراً عظيماً للعقيدة الإسلامية عادت به الثقة إلى نفوس أتباعها والمؤمنين بها وزالت عنهم مهابة الفلسفة وسيطرتها العلمية [1].
1 - دراسته للفلسفة: لم يتهور الغزالي في الهجوم على الفلسفة, وإنما درس الفلسفة أولاً كما حكى هو بنفسه في «المنقذ من الضلال» وكان يؤمن بأنه: لا يقف على فساد نوع من العلوم من لا يقف على منتهى ذلك العلم، حتى يساوي أعلمهم في أصل ذلك العلم، ثم يزيد عليه ويجاوز درجته. فجد واجتهد في دراستها ومعرفة حقيقتها وأغوارها، حتى اطَّلع على منتهى علومهم، ثم لم يستعجل كذلك ولم يبدأ بالهجوم, بل رأى أن المباحث الفلسفية لا تزال غامضة معقَّدة ليست في متناول الأوساط من الناس، وأن الكُتب الفلسفية قد ألفت في لغة رمزية وفي أسلوب غير واضح وكأنّ مؤلفيها قد تعمدوا ذلك ليقيموا سياجاً حول الفلسفة يحوطها من تناول العامة، أولم يكونوا يُحسنون التأليف، فرأى أن يؤلف كتاباً يذكر فيه المباحث الفلسفية ونظريات الفلسفة ومسائلها في لغة سهلة واضحة، وفي أسلوب مشرق، وقد رُزق الغزالي قدرة عجيبة في تبسيط المسائل العلمية وإيضاحها, فكسر ذلك السياج، ورفع الاحتكار العلمي، وألف كتاب «مقاصد الفلاسفة» [2] وذكر فيه المصطلحات الفلسفية، وبحوث الفلسفة, وعرضها أحسن عرض، الأمر الذي لم يحسنه رجال الفلسفة، وذلك دون أن ينتقدها أو يعلق عليها, وقد برهن الدكتور سليمان دنيا في مقدمته الثانية [1] رجال الفكر والدعوة (1/ 969). [2] رجال الفكر والدعوة (1/ 969).
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 369