responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 368
الفلاسفة، وإنما شاع فيهم لما انتدب لنصرة مذهبهم جماعة من الثنوية والفلاسفة، فكل واحد نصر مذهبهم طمعاً في أموالهم وخلعهم واستظهارًا بأتباعهم لما كان قد ألفه في مذهبه، فصار أكثر مذهبهم موافقاً للثنوية والفلاسفة في الباطن، وللروافض والشيعة في الظاهر [1]، فقد انتشر مذهب الباطنية عندما انتصر له الفلاسفة، وانتصر له الفلاسفة طمعاً في أموالهم وصلاتهم, والنتيجة وجود المصلحة المتبادلة التي ينتج عنها توافق في القول بين الفلاسفة والباطنية [2] ولذلك كان الهجوم الكبير من الغزالي على الفلاسفة, واستطاع تحويل المعركة التي كانت تدور فيما سبق بين الأشاعرة والمعتزلة إلى معركة بين الأشاعرة والفلاسفة, وكتاب تهافت الفلاسفة ألفه الغزالي في المرحلة التي كان فيها أستاذ المدرسة النظامية دون منازع ([3]
وأما الجانب الآخر فهو أن دعوى «المعلم» و «التعليم» التي ركزت عليها الإسماعيلية يومئذ هناك من يقول إنه لا سبيل إلى إبطالها إلا بطرح بديل؛ والبديل- عند الغزالي- هو المنطق, وبالتالي فإلحاح الغزالي على ضرورة اصطناع المنطق منهجاً وحيداً في تحصيل العلم لم يكن من أجل المنطق ذاته، بل كان ضد نظرية «التعليم» العرفانية الإسماعيلية الباطنية, ومن أجل تقوية المذهب الأشعري الذي كانت الدولة السلجوقية قائمة على أسسه الفكرية والعقائدية, وبالتالي كان هذا البعد يعتبر توجيه ضربة قوية لخصوم السلاجقة كالدولة الفاطمية الإسماعيلية ودعاتها في مرتكزاتها الفكرية. ويبقى الجانب الثالث وهو الدعوة إلى التصوف، والتصوف -كما هو معروف- كان الأساس الإيديولوجي والتنظيمي لكيان الدولة السلجوقية، وإذن فموقف الغزالي من هذه الناحية مفهوم ومبرر، ليس هذا فحسب، بل إن الغزالي من هذه الناحية قد أدرك بوضوح أن الجانب الروحي في العرفان الشيعي عامة لا يمكن تعويضه باصطناع المنطق، فلم يبق إذن إلا تجريد التصوف الباطني من طابعه السياسي الذي طبعته به الشيعة الإمامية والإسماعيلية, ومحاولة توظيفه توظيفاً سنياً، وقد فعل الغزالي ذلك انطلاقًا من التراث السني العظيم .. إذن فالأطراف الثلاثة: الدعوة إلى التصوف، ومهاجمة الفلاسفة, والدعوة إلى اصطناع المنطق ربما تجسم فعلاً تناقضاً واضحاً، ولكن فقط على صعيد الفكر المجرد، أما على صعيد السياسة والإيديولوجيا، فقد كانت -في وقتها- أسلحة ثلاثة متكاملة موجهة نحو خصم واحد [4].

[1] أبو حامد الغزالي, دراسة في فكره وعصره وتأثيره، ص 91.
[2] أبو حامد الغزالي, دراسة في فكره وعصره وتأثيره، ص 91.
[3] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 630).
[4] أبو حامد الغزالي, دراسة في فكره وعصره وتأثيره، ص 68.
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 368
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست