اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 367
إلا ما كتب الله له [1]. وهذا درس وتذكير للعلماء المعاصرين أن يصدقوا الله في مقاومة الباطنيين الجدد، وقد رأيت بعض المحسوبين على العلماء يخشونهم، ويخافون من القتل والاغتيال أو تهمة الوهم بالطائفية أو وقوعهم تحت إبر التخدير الباطنية، أو نتيجة مجاملات لا وزن لها في ميزان الشريعة أو حسابات دنيوية زائلة, ولذلك تركوهم يعبثون بعقائد الأمة ومقدساتها، وأسهم بعض علماء الأمة في تخدير الجمهور العريض من أبناء المسلمين مع علم هؤلاء العلماء بخطر هؤلاء القوم على عقائد الأمة وأخلاقها، أما يخشى هؤلاء الناس من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار ويسأل الله فيه الصادقين عن صدقهم؟!.
3 - البعد السياسي في كتابات الغزالي: يعتبر الغزالي المنظر الكبير للدولة السلجوقية السنية, ولم يكن يعيش بعيداً عن الأحداث وصراعات السلاجقة مع خصومهم الفاطميين الإسماعيليين، فقد كان قبل عزلته وتركه للنظامية «فيلسوف الدولة» الذي عاش في كنفها، بالمعنى الإيديولوجي الكامل لكلمة «فيلسوف». لقد انخرط في سلك حاشية الوزير السلجوقي نظام الملك منذ الثامنة والعشرين من عمره، وباستثناء كتابين في الفقه (التعليق والمنخول)، فإن جميع ما كتبه الغزالي كتبه بعد انخراطه في سلك كبار رجال الدولة السلجوقية، وكما هو معروف فلقد كان الخصم الأساسي والخطير لهذه الدولة الإسماعيلية الباطنية - إسماعيلية «ألموت» - بزعامة الحسن بن الصباح. وقد ركزت الإسماعيلية آنذاك في دعوتها السياسية على القول بضرورة «المعلم» أي الإمام، وكما هو معروف فقد كتب الغزالي في الرد على الباطنية، وقد كتبه كما صرح هو بنفسه بأمر من الخليفة العباسي المستظهر بالله، فأهداه إليه وسمي الكتاب أيضاً «المستظهري» , ومذهب الإسماعيلية مذهب ديني فلسفي سياسي، وإبطال آرائهم السياسية والدينية يتطلب أيضاً إبطال فلسفتهم، ولم تكن فلسفتهم شيئاً آخر غير الفلسفة التي كان يلتقي عندها في المشرق فلاسفة العصر يومئذ [2] أعني الأفلاطونية المحدثة في صيغتها المشرقية الهرمسية.
ومن هنا كان هجوم الغزالي على الفلسفة [3] وعندما نفحص كتاب فضائح الباطنية، نتبين بوضوح كيف أن التهافت قد كتب فعلاً من أجل فضائح الباطنية، إذ هناك أمور تفهم بقراءة الفضائح, في مقدمة تلك الأمور الدافع إلى الهجوم على الفلاسفة والذي هو دافع عقائدي واضح، لأن الفلاسفة يمدون الباطنية بالجانب التنظيري لمذهبهم، فقد كان الفلاسفة نصيراً قوياً ومعيناً لهم من ذلك، مثلاً عقيدتهم في المعاد, فالملاحظ -كما يقول الغزالي- أن مذهبهم في المعاد هو بعينه مذهب [1] الإمام الغزالي بين مادحيه وناقديه للقرضاوي، ص 62. [2] أبو حامد الغزالي, دراسات في فكره وعصره وتأثيره، ص 68. [3] المصدر نفسه، ص 91.
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 367