اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 331
المسلمين قد شغلهم عن ميادين المعركة الحقيقية مع المخالفين من الأعداء أو المنتسبين للإسلام, وإن من أهم علامات نجاح الداعية أن يدرس واقع الجاهلية المعاصرة له بتمعن وتعمق مع فهم واقع المسلمين الفكري والسلوكي, ثم يركز دعوته على محاربة المخالفات السائدة في عصره، فهذا يجاهد في ميدانه الحقيقي الحيوي [1].
هذا, ومن أبرز الأمثلة على النجاح في هذا المجال دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فإنه قد نجح نجاحاً باهراً، حيث قام بتشخيص المخالفات المعاصرة له، فقام بالرد على المخالفين بعلم راسخ وهدوء وروية أحياناً، وبشدة أحياناً أخرى حينما يقتضي المقام ذلك، فاستطاع أن يشد طلاب العلم إلى الكتاب والسنة, وأن يقلص من الآثار الفكرية البعيدة عن هذا المنهج، ولكن ليس من الحكمة ولا من الدعوة أن نعيد المعارك العلمية التي خاضها ابن تيمية في هذا العصر، لأن لكل عصر مخالفات متميزة وصوراً للجاهلية تختص به، كذلك فإن من أبرز أمثلة هذا النجاح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإنه قد نجح في دعوته نجاحاً كبيراً، فهو قد قرأ كتب ابن تيمية واستفاد منها، ولكنه لم يسر على منهاجه، وإنما قام بتشخيص المخالفات المعاصرة له، ثم قام بتركيز دعوته على تصحيح المفاهيم الإسلامية حول تلك المظاهر، فنجده مثلاً في كتابه المتميز الذي يعتبر أهم كتبه وهو كتاب «التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» يركز في جُلَّ أبوابه على تصحيح المفاهيم حول توحيد الألوهية، وذلك بعد دراسة المخالفات في عصره وعلاجها في ضوء الكتاب والسنة، بينما لم يعقد للحكم بما أنزل الله إلا باباً واحداً، وذلك لأن المحيط الذي يعيش فيه لا يحتاج إلى ذلك، حيث إن الأحكام تقوم على المحاكم الشرعية، كما أننا نجده لم يعقد للأسماء والصفات إلا باباً واحداً، لأن المخالفات السائدة في محيطه ليست في هذا المجال، فكان ذلك من أسباب نجاحه في تصحيح المفاهيم السائدة في مجتمعه وإقامة دولة إسلامية كبيرة [2]، ولو أنه طبق منهج ابن تيمية بالكامل فشغل نفسه بالردود على المخالفين من أصحاب المناهج العقلية والباطنية وغلاة الصوفية ونحوهم لوافاه الأجل ولم يصنع شيئاً سوى إضافة كتب حول هذه الموضوعات إلى المكتبة الإسلامية ([3])،
وقد تغيرت الأوضاع في عصرنا الحاضر، فظهرت صور للجاهلية لم توجد من قبل كالمذاهب الفكرية المنبثقة من الشيوعية والحضارة الغربية وتضخم وجود بعض الصور التي كانت ضئيلة في الماضي كالحكم بغير ما أنزل الله تعالى, وتوجيه السياسة على غير منهج الإسلام, وحصر مفاهيم الإسلام في نطاق ضيق، وتضاءلت في بعض البلاد صور انحرافات كانت كبيرة في العصور الماضية، كعبادة الأموات والأشجار والأحجار، فليس المطلوب من [1] الرسائل الشمولية، ص 68. [2] الرسائل الشمولية، ص 69. [3] الرسائل الشمولية، ص 69.
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 331