اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 174
صاحب خراسان وغزنة وبعض ما وراء النهر, كان وقوراً حيياً، كريماً سخياً، مشفقاً، ناصحاً لرعيته كثير الصفح، جلس على سرير الملك قريباً من ستين سنة [1].كان من أعظم الملوك همّة، وأكثرهم عطاءً, ذكر أنه اصطبح خمسة أيام متوالية ذهب بها في الجود كل مذهب، فبلغ ما وهب من العين سبعمائة ألف دينار سوى الخلع والخيل [2]، واجتمع له في خزائنه من الجوهر ألف وثلاثون رطلاً، ولم يسمع بمثل هذا، ولا بما يقاربه عند أحد من الملوك واجتمع أيضاً في جملة ثيابه ألف ديباج أطلس أعطاها في يوم واحد. وأخبر خازنه أنه اجتمع في خزائنه من الأموال ما لم يسمع عن أحد من الأكاسرة أنه اجتمع له مثله [3]، ولم يزل في ازدياد إلى أن ظهرت عليه الغُزُّ في سنة 548هـ وهي وقعة مشهورة استشهد فيها الفقيه محمد ابن يحيى، فكسروه وانحل نظام ملكه، وملكوا نيسابور، وقتلوا خلقاً كثيراً، وأخذوا السلطان، وضربوا رقاب عدة من أمرائه، ثم قبّلوا الأرض، وقالوا: أنت سلطاننُا، وبقي معهم مثل جنديَّ يركب أكديشا ويجوع وقتاً، وأتوا به، فدخلوا معه مرو، فطلبها منه أميرهم بختيار إقطاعاً، فقال: كيف يصير هذا؟ هذه دار الملك. فصفى له وضحكوا، فنزل عن الملك، ودخل إلى خانقاه مَرْو، وعملت الغُزُّ ما لا تعمله الكفار من العظائم، وانضمت العساكر، فملَّكوا مملوك سنجر أيَبَه، وجرت مصائب على خراسان، وبقي في أسرهم ثلاث سنين وأربعة أشهر، ثم أفلت منهم، وعاد إلى خراسان (4)
وزال بموته ملك بني سلجوق عن خراسان، استولى على أكثر مملكته خوارزم شاه أُتسِز بن محمد بن نوشتكين ومات أُتِسز قبل سنجر [5]، وقد ذكر أبو شامة في كتاب «الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية» في حوادث سنة اثنتين وخمسين وفاة السلطان سنجر عقيب خلاصه من الشدة التي وقع فيها والأسر الذي حصل فيه وكان قد ورد كتابه في أواخر صفر من سنة 552هـ إلى نور الدين محمود زنكي بالتشوق إليه والإحماد لخلاله، وما ينتهي إليه من جميل أفعاله، وإعلامه ما من الله عليه من خلاصه من الشدة التي وقع فيها، والأسر الذي بُلي به في أيدي الأعداء الكفرة، من ملوك تركمان، بحيلة دبرها، وسياسة أحكمها وقرَّرها، بحيث عاد إلى منصبه من السلطنة المشهورة واجتماع العساكر المتفرقة عنه إليه [6]، ومع وفاة سنجر أخذت الدولة السلجوقية في الضعف والتضعضع ثم الانهيار وكان ذلك في عهد الخليفة الناصر لدين الله، فقد استقر رأيه على الاستعانة بعلاء الدين تكش خوارزم شاه ضد السلطان طغرل، فأرسل إلى [1] الجيش وتأثيراته في سياسة الدولة الإسلامية (20/ 363). [2] المصدر نفسه (20/ 364). [3] الشهب اللامعة، ص 432.
(4) سير أعلام النبلاء (20/ 364). [5] المصدر نفسه (20/ 365). [6] كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (1/ 359، 360).
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 174