responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 421
الذين يقاتلوننا بالممالك العظام والعزائم الشَّداد، فمنهم صاحب قسطنطينية وهو الطّاغية الأكبر، والجالوت الأكفر، وصاحب المملكة التي أكلت على الدّهر وشربت، وقائم النصرانية التي حكمت دولته على ممالكها وغَلَبتَ، جرت لنا معه غزوات بحرية، ومناقلات [1] ظاهرة وسِرَّية ولم نخرج من مصر إلى وصلتنا رُسله في جمعة واحدة نوبتين، بكتابين، كل واحد منهما يظهر فيه خفض الجناح وإلقاء السَّلاح والانتقال من معاداة إلى مُهاداة، ومن مفاضحة إلى مناصحة، حتى إنه أنذر بصاحب صقلية وأساطيله التي ترَّد ذكرها وعساكره التي لم يخف أمرها.
ومن هؤلاء الكُفَّار هذا صاحب صقلّية، كان حين علم بأن صاحب الشَّام وصاحب قسطنطينية قد اجتمعا في نوبة دمياط فغُلبا وقسراً وهُزما وكُسرا، أراد أن يظُهر قَوَّته المستقلَّة فعمَّر أسطولا استوعب فيه ماله وزمانه، فله، الآن خمس سنين يكثُر عِدَّته، وينتخب عُدَّته، إلى أن وصل منها في السنة الخالية إلى الإسكندرية أمر رائع وخَطْبٌ هائل، ما أثقل ظهر الحبر مِثلُ حمله، ولاملاء مدره مثل خيله ورَجْله، وما هو إلا أقليم بل أقاليم نَقلَه، وجيش ما احتفل ملك قط بنظيره لولا أن الله خذله ومن هؤلاء الجيوش البنادقة، والبياشنة والجنوبية كلّ هؤلاء تارة يكونون غزاة لا تُطاق ضراوة ضَرَّهم، ولا تطقأ شرارة شَرَّهم، وتارة يكونون سُفّاراً يحتكمون على الإسلام في الأموال المجلوبة، وتقصُر عنهم، ويُد الأحكام المرهوبة، وما منهم إلا من هو الآن يجلب إلى بلدنا آلة قتاله وجهاده، ويتقرَّب إلينا بإهداء طرائف أعماله وتلاده وكلهم قد قُرَّرت معهم المواصلة، وانتظمت معهم المسُالمة، على ما نريد ويكرهون وعلى ما نؤثرُ وَهُم لا يؤثرون ولما قضى الله سبحانه بالوفاة النورية وكنا في تلك السنة على نِيَّة الغزاة والعساكر قد تجهَّزت والمضارب قد برّزت ونزل الفرنج بانياس وأشرفوا على اجتيازها ورأوها فُرصة مدُّوا يَدَ انتهازها، استصرخ بنا صاحبها، فسرنا مراحل اتصل بالعدوَّ أمرها، وعوجل بالهُدْنة الدمشقية التي لولا مسيرنا ما انتظم حكمها ثم عدنا إلى البلاد وتوافق إلينا الأخبار بما المملكة النورية عليه من تشعُّب الآراء وتوزُّعها، وتشتُّت الأمور وتقطعها، وأن كل قلعة قد حصل فيها صاحب وكل جانب قد طمع إليه طالب، والفرنج قد بنوا قلاعاً يتحيّفون بها الأطراف الإسلامية، ويضايقون بها البلاد الشامية وأمراء الدولة النًّورية قد سجن كبارُهم، وعوقبوا وصودروا، والمماليك الأغمار الذين خُلقوا للأطراف لا للصُّدور، وجعلوا للقيام لا للقعود في المجلس المحضور،
قد مدُّوا الأيدي والأعين والسيوف، وساءت سيرتهم في الأمر بالمنكر والنَّهي عن المعروف [2]، وكل واحد يتخذ عند الفرنج يداً، ويجعلهم لظهره سنداً، وعلمنا أن البيت المقَّدس إن لم تتيسَّر

[1] كتاب الروضتين (2/ 365).
[2] كتاب الروضتين (2/ 365).
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 421
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست