اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 420
هلاك شخصه هلاك دولته ولما خلا ذرعنا، ورَحُب وسعنا نظرنا في الغزوات إلى بلاد الكُفَّار فلم تخرج سَنَة إلا عن سُنَّة أقيمت فيها براً وبحراً، مركبا وظهراً، إلى أن أو سعناهم قتلاً وأسراً وملكنا رقابهم قهراً وقسراً ([1])،
وفتحنا لهم معاقل ما خطر أهل الإسلام فيها مُذ أُخذت من أيديهم ولا أُوجفت عليها خيلهم ولا ركابهم مُذ ملكها أعاد بهم فمنها ما حُكَّمت فيه يَدُ الخراب، ومنها ما استولت عليه يد الاكتساب، ومنها قلعة بثغر أيلة كان العدوُّ قد بناها في بحر الهند، وهو المسلوك منه إلى الحرمين واليمن، وغزا ساحل الحَرَم فسبى منه خَلْقاً، وخرق الكفر في هذا الجانب خرقاً، فكادت القبلة أن يستولى على أصلها ومشاعر الله أن يسكنها غيُر أهلها، ومقام الخليل عليه السَّلام، أن يقوم به من نَارُه غيرُ برد وسلام، ومضجع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتطرَّقه من لا يدين بما جاء به من الإسلام، ففتح الله هذه القَلعة وصارت مَعْقلاً للجهاد، وموئلاً لسُفَّار البلاد وغيرهم من عُبَّاد العباد. ثم قال: وكان باليمن ما عُلِم من ابن مهدي الضَّال الملحد المبدع المتمَّرد، وله آثار في الإسلام، وثأر طالبُهُ النبي عليه الصلاة والسلام لأنه سبى الشرائف الصالحات وباعهن بالثمن البَخْس، واستباح منهن كل مالا يقر المسلم عليه نفس، ودان ببدعة، ودعا إلى قبر أبيه وسمَّاه كعبة وأخذ أموال الرَّعايا المعصومة وأجاحها [2]، وأحلَّ الفروج المحَّرمة وأباحها فانهضنا إليه أخانا بعسكرنا بعد أن تكلفنا له نفقات واسعة وأسلحة رائعة، وسار فأخذناه ولله الحمد، وأنجح الله فيه القصد، والكلمة هنالك بمشيئة الله إلى الهند سامية وإلى ما يقتضيُّ الإسلام عُذرته متمادية. ولنا في الغرب أثرٌ أغرب، وفي أعماله أعمال دون مطلبها مهالك كما يكون المهلك دون المطلب؛ وذلك أن بني عبد المؤمن قد أشتهر أن أمَرْهَم قد أمر (3)
وملكهم قد عُمر، وجيوشهم لا تطاق وأمرهم لا يشاق، ونحن بحمد الله قد تملكنا مما يجاورنا منه بلاداً تزيد مسافتها على شهر، وسَيَّرنا إليها عسكراً بعد عَسكر، فرجع بنصر بعد نصر، ومن البلاد المشاهير والأقاليم الجماهير: برقة، قَفصة، قسطيلية، تَوْزَر، كلُّ هذه تقام فيها الخطبة لمولانا المستضيء بأمر الله - أمير المؤمنين سلام الله عليه - ولا عهد للإسلام بإقامتها وينفَّذ فيها الأحكام بعلمها المنصور وعلامتها. وفي هذه السنة كان عندنا وَفدٌ قد شاهده وفود الأمصار ورموه بأسماع وأبصار، مقداره سبعون راكبا كلهم يطلب لسلطان بلده تقليداً، ويرجو منا وعداً ويخاف وعيداً وقد صدرت عنا بحمد الله تقاليدها، وألقيت إلينا مقاليدها، وسَيَّرنا الخِلعَ والمناشير والألوية، بما فيها من الأوامر والأقضية، فأمّا الأعداء المحدقون بهذه البلاد والكُفَّار [1] المصدر نفسه (2/ 361) .. [2] أي أهلكها.
(3) أي قد تمَّ ..
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 420