responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 419
وخفقت عليها صُلْبانه، ونصبت بها أوثانه، وأيس من أن يسُترجع ما كان بأيديهم حاصلاً، وأن يسُنقد ما صار في ملكهم داخلاً ووصلنا البلاد وبها أجناد عددهم كثير، وسوادهم كبير، وأموالهم واسعة، وكلماتهم جامعة، وهم على حرب الإسلام أقدر منهم على حرب الكفر، والحيلة في السَّرَّ فيهم من العزيمة في الجهر وبها راجل من السُّودان يزيد على مئة ألف، كلهم أغتام (1)
أعجام "إن هم إلاَّ كالأنعام" لا يعرفون ربَّا إلا ساكن قصره، ولا قبلة إلاَّ ما يتوجهون إليه من ركنه، وامتثال أمره، وبها عسكر من الأرمن باقون على النصَّرانية موضوعة عنهم الجزية، كانت لهم شوكة وشِكَّة، وحُمة وحَمِيَّة ولهم حواش لقصورهم من بين داع تلطَّف في الضَلال مداخلُه، وتصيب القلوبَ مخاتله، ومن بين كُتَّاب تفعل أقلامهم أفعال الأشل وخُدَّام يجمعون إلى سواد الوجوه سواد النَّحل، ودوله قد كبر نملها الصَّغير، ولم يعرف غيرها الكبير، ومهابة تمنع من خَطرَات الضَّمير، فكيف بخطوات التدبير، هذا إلى استباحة للمحارم ظاهرة، وتعطيل الفرائض على عادة جائرة، وتحريف للشريعة بالتأويل، وعدول إلى غير مراد الله بالتنزيل، وكُفْر سُمي بغير اسمه وشرع يُتستَّر به ويُحكم بغير حكمه، فما زلنا نسحتهم سحت المبادر للشّفار، ونتحيَّفهم تحيُّف الليل والنهار للأعمار، بعجائب تدبير لا تحتملها المساطير، وغرائب تقدير لا تحملها الأساطير، ولطيف توصُّلِ ما كان من حيلة البشر ولا قدُرتهم لولا إعانة المقادير، وفي أثناء ذلك استنجدوا علينا الفرنج، دفعة إلى بلبْيس ودفعة إلى دمياط، وفي كل دفعة منهما وصلوا بالعدو المجهر (2)
والحشد الأوفر، وخصوصاً في نوبة دمياط، فإنهم نازلوها بحراً في ألف مركب، مقاتل وحامل، برّاً في مئتي ألف فارس وراجل، وحصروها شهرين يباكرونها ويراوحونها، ويماسونها ويصابحونها القتال الذي يصلَّبه الصليب، والقراع الذي ينادي به الموت من كل مكان قريب، ونحن نقاتل العدوَّين الباطن والظاَّهر، ونصابر الضَّدَّين المنافق والكافر، حتى أتى الله بأمره وأيدنا بنصره وخابت المطامع من المصريين والفرنج، وشرعنا في تلك الطوائف من الأرمن والسُّودان والأجناد، فأخرجناهم من القاهرة، بالأوامر المرهقة لهم، وبالأمور الفاضحة منهم، وبالسيوف المجرَّدة وبالنار المحرقة، حتى بقي القصُر ومن به من خدم ومن ذُرَّية قد تفرقت شِيُعه وتمزقت بدعه وخفتت دعوته، وخفيت ضلالته، فهناك تمّ لنا إقامة الكلمة، والجهر بالخطبة والرفع للواء الأسود المعظم، وعاجل الله الطاغية الأكبر لهلاكه وفنائه، وبرأنا من عُهدة يمين ثم يمين كان إثم حِنثها أيسر من إثم إبقائه لأنه عوجل لفرط روعته، ووافق

(1) أغتنام، مفردها أغتم وغتمى العتمة: عجمة في المنطق ..
(2) كتاب الروضتين (2/ 361) ..
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 419
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست