اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 46
يتعهد أصحابه ويمتحنهم فقد أعطى يوماً خُشكُنانكه [1] إلى طشت دار له وقال: احفظ هذه. فبقى نحو سنة لا تفارقه خوفاً أن يطلبها منه، فلما كان بعد سنة سأله عنها، فأخرجها من منديل كان لا يفارقه خوفاً من أن يطلبوا منه، فاستحسن ذلك وجعله دز دار لقلعة
كواشي [2] - وهي قلعة حصينة في الجبال الواقعة شرقي الموصل [3]، وكان يخطب الرجال ذوي الهمم والآراء الصائبة والأنفس الأبية ويوسع في الأرزاق فيسهل عليهم فعل الجميل واصطناع الرجال، ومن أسباب توفيقه أنه كان نقاداً للرجال، يعرف كيف يختار الأكفاء الصالحين منهم ويوليهم ثقته [4]، فمن هؤلاء:
أ- بهاء الدين الشهرزوري الذي يقول عنه ابن القلانسي: وكان صاحب عزيمة وهمة نافذة ويقظة ثابته.
ب- ومنهم وزيره ضياء الدين أبي سعيد ابن الكفرتوثي، وكان على ما حكى عنه، حسن الطريقة جميل العقل كريم النفس مرضي السياسة مشهوراً للنفاسة والرئاسة.
ج- ومنهم نصر الدين جقر وقد كان لنصير الدين أخبار في العدل والإنصاف وتجنب الجور والاعتساق، أخباره متداولة بين التجار والمسافرين ومتناقلة بين الواردين والصادرين من السفار وقد كان رأيه جمع الأموال من غير جهة حرام، لكنه يتناولها بألطف مقال وأحسن فعال، وأرفق توصل واحتيال، فهذا محمود من ولاة الأمور وقصد سديد في سياسة الجمهور، وهذه هي الغاية في مرضي السياسة والنهاية في قوانين الرياسة [5].
7 - تقديره للرجال: ويظهر تقديره للرجال من تولية نائبه بالموصل فبعد مقتل نصير الدين؟ ارتاب في من يقيمه في موضعه، ويخلفه؟ في منصبه، فوقع اختياره على الأمير علي كوجك، لعلمه بشهامته ومضائه في الأمور وبسالته، فولاه مكانه، وعهد إليه أن يقتفي آثاره في الاحتياط والتحفظ، وتتبع أفعاله في التحرز، واليقظة وإن كان لا يغني غناءه ولا يضاهي كفاءته ومضاءه، فتوجه نحوها، وحصل بها وساس أمورها، سياسة سكتت معها نفوس أهلها، وبذل جهده في حماية المسالك وأمن السوابل، وقضاء حوائج ذوي الحاجات، ونصرة المظلومين فاستقام الأمر وحسنت بتدبيره الأحوال وتحققت بيقظته في أعماله الأمان [6]. [1] معناها: كعكه. [2] مفرج الكروب (1/ 103). [3] الحروب الصليبية والأسرة الزنكية ص 166. [4] المصدر نفسه ص 166. [5] ذيل تاريخ دمشق ص 275 الحروب الصليبية والأسرة الزنكية ص 166. [6] ذيل تاريخ دمشق ص 172.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 46