اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 201
الشعر، بل كان يحب الشعر الملتزم فقد طلب من العماد الأصفهاني أن يعمل مثنويات شعرية في معنى الجهاد على لسانه فقال:
للغزو نشاطي، وإليه طربي ... مالي في العيش غيره من أرب
بالجد وبالجهاد نجح الطلب ... والراحة مستودعة في التعب
لا راحة في العيش سوى أن أغزو ... سيفي طرباً إلى العلى يهتز
في ذل ذوي الكفر يكون العزّ ... والقدرة في غير جهاد عجز (1)
ويقول الأصفهاني في موضع آخر: كنت راكباً مع نور الدين في أعقاب إحدى جولاته الظافرة ضد الصليبيين عند طبرية فسألني: كيف تصف ما جرى؟ فمدحته بقصيدة مطلعها:
عقدت بنصرك راية الإيمان ... وبدت لعصرك آية الإحسان (2)
ولكن ما هو أكثر دلالة من هذا كله أن يشهد عصر نور الدين تألق عدد من كبار الشعراء، كان يقف في قمتهم ابن القيسراني والعماد الأصفهاني وابن منير، وابن الدهان الموصلي، أولئك الذين وجدوا في دولة نور الدين الأرضية الصالحة لازدهار الشعر الذي طرق أبواباً واسعة، وخطا إلى آفاق بعيدة المدى ما كان لهم أن يرحلوا إليها بقصائدهم المبدعة لولا أن لقوا من نور الدين إعجاباً وتوافقاً وانسجاماً [3] وأما ما تضمنه قول الوهراني، وقول ابن منقذ من إثارة إلى بخل نور الدين أو حرصه على المال، فهذا أمر مستبعد وفيه كثير من المبالغة، ولو كان نور الدين، كما يقولان لما ازدحم الشعراء على بابه يمدحونه ويسجلون انتصاراته، ولما أجمع أغلب شعراء عصره على مدحه بالكرم والجود، حتى أسامة بن منقذ نفسه، ولما اختصَّ بمدحه بعض الشعراء ولا زموه فترات طويلة [4].
ومما له علاقة بالكرم والإنفاق في سيرة نور الدين: حضر صبي وبكى عند نورالدين، وذكر أن أباه محبوس على أجرة حُجرة من حجر الوقف - يعني وقف الجامع - فسأل عن حاله؟ فقالوا: هذا الصبي ابن الشيخ أبي سعد الصوفي وهو رجل زاهد قاعد في حجرة للوقف، وليس له قدرة على الأجرة وقد حبسه وكيل الوقف، لأنه اجتمع عليه أجرة سنة، فسأل: كم أجرة السنة؟ قالوا: مائة وخمسون قرطاساً، وذكروا سيرته وطريقته وفقره فرقّ له وأنعم عليه وقال: نحن نعطيه كل سنة هذا القدر ليصرفه إلى
(1) نور الدين الرجل والتجربة ص 138.
(2) نور الدين الرجل والتجربة ص 138. [3] كتاب الروضتين نقلا عن نور الدين محمود ص 139. [4] نور الدين محمود في الأدب العربي ص 198.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 201