اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 200
به فهو القائل في مدح نور الدين:
في كل عام للبرية ليلة ... فيها تَشُبُّ النارُ بالإيقاد
لكن لنور الدين من دون الورى ... ناران: نار قرى ونار جهاد
أبداً يصَّرفُها نداه وبأسه ... فالعام أجمع ليلة الميلاد
مَلِك له في كل جيد منةٌ ... أبهى من الأطواق في الأجياد
أعلى الملوكِ يداً وأمنعهم حميً ... وأمدهم كفاً ببذل تلاد
يعطي الجزيل من النوال تبرُّعا ... من غير مسألة ولا ميعاد
لا زال في سعد وملك دائم ... ما دامت الدنيا بغير نفاذ (1)
وعندما أسر الفرنج أخا أسامة بن منقذ نجم الدولة محمد طلب من ابن عمه ناصر الدين محمد بن سلطان صاحب شيزر الإعانة في فكاكه فلم يفعل قال أسامة: وادّخر الله سبحانه أجر خلاصه وحسن ذكره للملك العادل نور الدين رحمه الله تعالى، فوهبه فارساً من مقدَّمي الدَّاوية يقال له المشطوب، قد بذل الإفرنج فيه عشرة آلاف دينار، فاستخلص به أخاه من الأسر [2]. والملاحظ أن نور الدين قد مدح من قبل شعراء عصره الكبار كابن القيسراني وابن منير والعماد الأصفهاني وغيرهم ويبدو أن مدح الشعراء لنور الدين لم يكن بدافع التكسب أو توخى التزلف [3]. يقول الدكتور محمود إبراهيم في حديثه عن علاقة ابن القسيراني بنور الدين ومدحه له: ومما يلفت النظر في تمجيد ابن القسيراني لنور الدين، أن الشعر الذي نظم في هذا التمجيد قد خلا من الاستماحة التي لم تخل منها قصائد أخرى لابن القيسراني قيلت في أشخاص آخرين في مناسبات قديمة. ولعل هذا مما يعضِّد الاعتقاد بأن شعر ابن القيسراني في نور الدين يمثّل إعجاباً صادقاً بالبطل الإسلامي وأن هذا الشعر لا يترجم عن مشاعر ابن القيسراني وحده، بل عن مشاعر الجماعة الإسلامية كذلك [4].
وكان نور الدين يحب الشعر ويعجب به، لأنه كان يدرك أثر الشعر في إثارة الشعور وتحريكه ولاسيما شعر الجهاد ووصف المعارك. أما كونه لا يبتهج بالمدح فهذا تواضع منه، لأنه لا يحب مبالغات الشعراء، ومزايداتهم بالمدح، ولأنه كان مقتدياً بالسلف الصالح كالخلفاء الراشدين، فلا يأخذه بهرج القول [5]. فنور الدين لم يكن في حالة خصام مع
(1) كتاب الروضتين نقلاً عن نور الدين زنكي في الأدب العربي ص 197. [2] كتاب أخبار الدولتين (1/ 358). [3] نور الدين في الأدب العربي ص 195. [4] صدى الغزو الصليبي ص 159 - 160. [5] نور الدين في الأدب العربي ص 197.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 200