اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 199
ولأنت أكرم من أناس نوَّهوا ... باسم ابن أوس واستخصّوا البحتري
ذلَّت لدولتك الرقاب ولا تزل ... إن تغز تغنم أو تقاتل تظفر (1)
كان نور الدين كما يصفه كثير من المؤرخين -: قليل الابتهاج بالشعر [2] لا عن نفور من الشعر ذاته وعدم توافق مع معطياته الوجدانية التي تهز العقول والقلوب، وإنما على نفور من الشعراء أنفسهم ومن مزايداتهم المعروفة على حساب الحق، وتملقهم الزائف للسلطة على حساب العدل [3].
إن نور الدين هنا يذكرنا بعمر بن عبد العزيز لا في كراهيته للتجربة الشعرية ولكن بتوجسّه من ملق الشعراء وضعفهم ومزايداتهم، ومن ثم فإن نور الدين كسلفه - لم يكن يشرع الأبواب في وجوههم بل لم يكن يعطيهم، وقد سئل يحي بن محمد الوهراني في بغداد عن نور الدين فأجاب في إحدى مقاماته: وهو سهم للدولة سديد وركن للخلافة شديد، وأمير زاهد مجاهد، غير أنه عرف بالمرعى الوبيل لابن السبيل، وبالمحل الجديب للشاعر الأديب، فليس لشاعر عنده من نعمة تجزى [4]. وعبارة غير أنه ترد بعد عبارات المديح تلك توحي بأن موقفه هذا لم يكن مرضياً عنه من الجميع فهناك دائماً من يريد أن (يأخذ) على حساب أي شيء في عصر كانت آذان هؤلاء قد اعتادت عبارة " أعطوه ألف دينا " أو عبارة سل ما شئت. ومن بين هؤلاء الشعراء أسامة بن منقذ الذي يمدحه ببيتين من الشعر يتضمان غمزاً مستوراً لموقف نور الدين من عطاء الشعراء:
سلطاننا زاهد والناس قد زهدت ... له فكل على الخيرات منكمش
أيامه مثل شهر الصوم طاهرة ... من المعاصي وفيها الجوع والعطش
لكن أبا شامة، المؤرخ الدمشقي، يتصدى بنفسه للردّ على الرجلين: صاحب المقامة وصاحب القصيدة، ولفضح الإزدواجية التي يعانيها كثير من الشعراء، ولبيان حقيقة الموقف العظيم فيقول: ما كان - نور الدين - يبذل أموال المسلمين إلاّ في الجهاد وما يعود نفعه على العباد. وكان كما قيل في حق عبد الله بن محيريز - وهو من سادات التابعين في الشام - أنه كان جواداً حيث يحب الله، وبخيلاً حيث تحبّون وأما شعر ابن منقذ فلا اعتبار
(1) شعر الجهاد الشامي في مواجهة الصليبيين ص 170. [2] كتاب الروضتين نقلاً عن نور الدين محمود ص 135. [3] نور الدين محمود الرجل والتجربة ص 136. [4] كتاب الروضتين نقلاً عن نور الدين محمود ص 137.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 199