اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 202
الأجرة ويقعد فيها، وتقدم بذلك بإخراجه من الحبس فوصل إلى قلب كل واحد من الحاضرين الفرح حتى كأنّ الإنعام كان في حقه [1].
هذه هي أهم صفات نور الدين محمود الشهيد رحمه الله قال فيه ابن عساكر: .. ومع ما ذكرت من هذه المناقب كلها وشرحت من دقها وجلّها فهو حسن الخط بالبنان متأت لمعرفة العلوم بالفهم والبنيان، حريض على تحصيل كتب الصحاح والسنن مقتني لها بأوفر الأعواض والثمن، كثير المطالعة للعلوم الدينينة، متتبع للآثار النبوية، مواظب على الصلوات في الجماعات، مراع لآدابها في الأوقات، مؤدياً فروضها ومسنوناتها، معظم لقدرها في جميع حالاتها، عاكف على تلاوة القرآن على مّر الأيام، حريص على فعل الخير من الصدقة والصيام، كثير الدعاء والتسبيح، راغب في صلاة التراويح، عفيف البطن والفرج، مقتصد في الإنفاق والخرج متحّر في المطاعم والمشارب والملابس، متبّرئ من التمادي، والتباهي والتنافس، عريٌ عن التجبر والتكبّر، بريئ من التنجيم والتطيَّر، مع ما جمع الله له من العقل المتين، والرأي الثاقب الرصين، والاقتداء بسيرة السلف الماضين، والتشبه بالعلماء والصالحين، والاقتفاء بسيرة من سلف منهم في حسن سمتهم، والاتباع لهم في حفظ حالهم ووقتهم حتى روى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وأسمعه وكان قد استجيز له ممن سمعه وجمعه حرصاً منه على الخير في نشر السنة بالأداء والتحدث، ورجاء أن يكون ممن حفظ على الأمة أربعين حديثاً كما جاء في الحديث، فمن رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه رأى من ألطافه وتواضعه ما حيرّه، ولقد حكي لي عنه من صحبه في حضره وسفر أنه لم تُسمع منه كلمة فحشى في رضاه ولا ضجره وإن أشهى ما إليه كلمة حق يسمعها أو إرشاد إلى سنة يتبعها، يحب الصالحين ويؤاخيهم، ويزور مساكنهم لحسن ظنه بهم، فإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوج ذكرانهم بإناثهم ورزقهم، ومتى تكررت الشكاية إليه من أحد ولاته أمر بالكف عن أذى من تكلم بشكاته فمن لم يرجع منهم إلى العدل، قابله بإسقاط المرتبة والعزل، فلما جمع الله له من شريف الخصال، تيسر له ما
يقصده من جميع الأعمال، وسهل على يديه فتح الحصون والقلاع، ومكّن له في البلدان والبقاع حتى ملك حصن شيزر، وقلعة دوسر، وهما من أحصن المعاقل والحصون واحتوى على ما فيهما من الذخر المصون من غير سفك محجمه من دم في طلبهما ولا قتل أحد من المسلمين بسببهما، وأكثر ما أخذه من البلدان، بتسليمه من أهله بالأمان، ووفي لهم بالعهود والإيمان فأوصلهم إلى مأمنهم من المكان. وإذا استشهد أحد من أجناده حفظه في أهله وأولاده، وأجرى عليهم [1] عيون الروضتين (1/ 357).
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 202