اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1919
المفردُ أخرجَ المركبَ، والمرادُ بالمفردِ: ما لا يدلُّ جزؤه على جزءِ معناه، هذا مشهورٌ في كتبِ النحاةِ، فزيدٌ: ذاتٌ مشَخَّصَةٌ، و (زه) جزءٌ من (زيدٍ)، لكنه لا يدلُّ على شيءٍ مما يدلُّ عليه (زيدٌ) فهذا نسميه مفرداً، هذا عند المناطقةِ، وتبعهم كثيرٌ من النحاةِ، وابنُ هشامٍ في كتبه كلِّها يقولُ به، قال الشيخُ: وهذا غلطٌ، ولا نقولُ قابلٌ للتأويلِ، لأنّ تسليمهم بهذا التعريفِ لزمَ منه محذورٌ، وهو: أنّ المركبَ الإضافيَّ علماً كـ (عبدِ اللهِ) مركبٌ إضافيٌّ إذا أريدَ به الوصفُ، فتقولُ: هذا عبدُ اللهِ، يعني: يعبدُ اللهَ تعالى، لكن لمّا صارَ علماً أصبحَ مدلولُه واحداً كـ (زيدٍ)، فـ (زه) لا تدل على شيءٍ ألبتةَ، فيلزمُ منه أنّ (عبدَ) منفردةً، و (اللهَ) منفردةً لا تدلُّ على شيءٍ ألبتةََ، وهذا مسَلَّمٌ عند المناطقةِ، لكنه عندَ النحاةِ غيرُ مسلَّمٍ، فـ (عبدُ اللهِ) عندهم في أصلِه مركبٌ أضافيٌّ، وبعد أن أصبحَ علماً لم يخرجْ عن كونِه مركباً أضافياً.
وقد بيَّن ذلك (ياسينُ الحِمْصيُّ) في حاشيتِه على (مجيبِ النِّدا)، وكذلك (ابنُ اللحامِ) في (مختصرِ أصولِ الفقهِ) و (الفتوحيُّ) في (شرحِ الكوكبِ المنيرِ) نصّوا على أنّ المفردَ بهذا الحدِّ خطأٌ، وهو من خَلْطِ اصطلاحٍ باصطلاحٍ كما قال (البيجوريُّ) في شرحِ نظمِ العمريطيِّ على الآجروميةِ.
قال الشيخُ: وأجابَ السيوطيُّ والأشمونيُّ عن (عبدِ اللهِ) علماً، فقالوا: إنّ الحدَّ يشملُ نوعينِ: الكلمةَ تحقيقاً كـ (زيدٍ)، وتقديراً كـ (عبدِ اللهِ)، فقالوا: (عبدُ اللهِ) كلمةٌ تحقيقاً، و (عبدُ) و (اللهُ) كلٌّ منهما كلمةٌ تقديراً، قال الشيخُ: وهذا فاسدٌ، لأنّ (عبدَ اللهِ) لو جُعِلَ كلمةً واحدةً تحقيقاً كـ (زيدٍ) لظهرَ الإعرابُ في آخرِ (عبدِ اللهِ) وأنتم لا تقولونَ بذلك، قال الشيخُ: والذي أوردهم هذا الموردَ هو التقليدُ.
قال الشيخُ: وزاد بعضُهم فقالَ: (الكلمةُ: قولٌ مفردٌ مستقلٌ) فلا تُسمَّى الكلمةَ كلمةً إلا إذا كانت مستقلةً فتنفصلُ بمفردِها، أما إذا كانت لا توجدُ إلا مع غيرِها فليست بكلمةٍ، وذلك كأحرفِ المضارعةِ في نحوِ (أضربُ، ويضربُ، ونضربُ، وتضربُ) فإنها أحرفُ معانٍ، لأنها دلّت على معنىً في غيرِها، وبالتالي هي كلماتٌ، فأصبحت قسيمةً للاسمِ والفعلِ في كونها من أقسامِ الكلمةِ، فإذاً (أضربُ) ونحوها كلمتانِ، لكنها – أحرفُ المضارعةِ – لا توجد مستقلةً بمفردِها، فمن اشترطَ الاستقلالَ قال: ليست بكلمةٍ، وكذلك تاءُ التأنيثِ، وياءُ النسبِ، وذهب إليه السيوطيُّ في جمعِ الجوامعِ.
قال الشيخُ: ومن أسقطَ هذا الشرطَ – وهو الصحيحُ – وهو الذي ذهب إليه الرَّضيُّ وغيرُه قال: بأنّ هذه الأحرفَ مع ما دخلت عليه صارت كالكلمةِ الواحدةِ بسببِ شدةِ امتزاجِها فيما دخلت عليه، فهي كلماتٌ مستقلةٌ لكنها في هذا المقامِ لا تستقل لشدةِ امتزاجها فيما دخلت عليه، والدليلُ على شدةِ امتزاجِها تخطي العاملِ لها، فقوله ((لم يلدْ)) و ((لم أضربْ)) لو كانت مستقلةً لجازَ دخولُ الحرفِ على الحرفِ، فدخولُ الأحرفِ عليها دلّ على اسميّتها، ملحظٌ آخرُ: لو جوزنا دخولَ الحرفِ على الحرفِ فأينَ أثرُ الجزمِ عليه، ولكنّ الجزمَ لم يظهرْ إلا على آخرِ الكلمةِ.
قال الشيخُ: زادَ بعضُهم في حدِّ الكلمةِ (قولٌ مفردٌ أو منويٌ معه) ليدخلَ المسندُ إليه في نحوِ (قمْ) ونحوِ (قام)، وقلنا في الحد (منويٌ معه) احترازاً من الكلماتِ المنويةِ لكنها ليست مع لفظٍ، كما لو نوى شخصٌ كلمةً في نفسِه فلا تُعَدُّ كلمةً، فلا بدّ أن تكونَ مجاورةً للفظِ، ولهذا (ما قام) ليس مؤلفاً من حرفٍ وفعلٍ كما ادعاه (ابنُ الخبازِ) و (الشلوبِّينُ)، ومنعا تسميةَ الضميرِ المستكنِ اسماً، قال: لأنه لا يُسَمَّى كلمةً، وهو الذي مشى عليه صاحبُ (الورقاتِ)، فالصحيحُ أن (ما قام) مؤلفٌ من حرفٍ وفعلٍ واسمٍ.
• اللغاتُ في (كلمةٍ):
في (كلمةٍ) ثلاثُ لغاتٍ: (كَلِمَةٌ) كـ (نَبِقَةٍ)، ويجمعُ على (كَلِمٍ).
و (كِلْمَةٌ) كـ (سِدْرَةٍ) وجمعُها (كِلْمٌ) كـ (سِدْرٍ).
و (كَلْمَةٌ) كـ (تَمْرَةٍ) وجمعُها (كَلْمٌ) كـ (تَمْرٍ).
وهذه اللغاتُ في كلِّ ما كانَ على وزنِ (فَعِلٍ) كـ (كبدٍ) و (كتفٍ)
فتقول: كَتْفٌ وكِتْفٌ وكَتِفٌ
وتقول: كَبِدٌ وكَبْدٌ وكِبْدٌ
فإن كان وسطُه حرفُ حلقٍ جاز فيه لغةٌ رابعةٌ، وهي: إتباعُ فائه لعينه في الكسرِ اسماً كان نحوُ: فَخِذٍ وفَخْذٍ وفِخْذٍ وفِخِذٍ، أو فعلاً نحوُ: شَهِدَ وشَهْدَ وشِهْدَ وشِهِدَ.
• شرحُ ((القولُ عمّ)):
القولُ عمّ ما ذُكِرَ، وهو الكلامُ، والكلمةُ، والكلمُ، فكلّ كلامٍ قولٌ ولا عكسَ، وكلّ كلمٍ قولٌ ولا عكسَ، وكلّ كلمةٍ قولٌ ولا عكسَ، فبينها عمومٌ وخصوصٌ مطلقٌ.
((عمّ)) فعلٌ ماضٍ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ، فهنا الخبرُ جملةٌ فعليةٌ، ويحتملُ أن يكونَ (عمّ) أصلُه (أعمّ) والمعنى: والقولُ أعمّ مما ذُكِرَ، فحُذِفَت همزتُه تخفيفاً لكثرةِ الاستعمالِ مثلُ (خيرٍ) و (شرٍ).
ويحتملُ أنه اسمٌ فاعلٍ (عامّ) أي: والقولُ عامّ، وحذفت ألفُه لضرورةِ الوزنِ، قال الشيخُ: والصوابُ أنه يحملُ على أنه فعلٌ.
((القولُ)) أي: المقولُ وهو أثرُ المصدرِ.
سبقَ معنا أن القولَ: اللفظُ الدالُّ على معنىً.
و (المعنى) هو ما يقصدُ من اللفظِ، و (الدالّ) يشملُ الدالّ بالوضعِ الشخصيِّ أو النوعيِّ.
والوضعُ الشخصيُّ: هو جعلُ اللفظِ دليلاً على المعنى، وهذا خاصٌ بالمفرداتِ ككلمةِ زيدٍ وسماءٍ وأرضٍ ونحوها، فهي ألفاظٌ خاصةٌ دالةٌ على معانٍ خاصةٍ، فهذا نسميه وضعاً شخصياً لتعلقه بأشخاص الألفاظِ أي: بعينها.
وأما الوضعُ النوعيُّ فالمرادُ منه: القواعدُ العامةُ في لسانِ العربِ، فإذا أردت الإخبارَ بجملةٍ فعليةٍ فتأتي بالفعلِ أولاً ثم بالفاعلِ ثانياً، فهذا وضعٌ نوعيٌّ لم يُتلفَّظُ بكلّ آحادِه، بل وُضِعَ له قاعدةٌ عامةٌ.
وهنا (القولُ) يشملُ الوضعَ الشخصيَّ والنوعيَّ.
¥
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1919