اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1915
- بعضُ النحاةِ يشترطُ تجددَ الفائدةِ، فقولُ القائلِ: السماءُ فوقنا، والأرضُ تحتنا، والشمسُ محرقةٌ، لا يعدُّه كلاماً، وجزم به ابنُ مالكٍ، وردَّ عليه أبو حيانٍَ فقالَ: يلزمُ منه أن يكونَ الكلامُ الواحدُ كلاماً وغيرَ كلامٍ، فلو قلت لشخصٍ: الفاعلُ مرفوعٌ – وهو يجهلُ ذلك – صارَ كلاماً، ولو قلتَ له مرةً أخرى: الفاعلُ مرفوعٌ، لم يصبِحْ كلاماً، فيلزمُ منه أن قولَك: الفاعلُ مرفوعٌ مرةً كلاماً، ومرةً غيرَ كلامٍ، بل قد يكونُ كلاماً وغيرَ كلامٍ في آنٍ واحدٍ، وذلك إذا قلتَ: الفاعلُ مرفوعٌ، واستمع لك اثنانِ فأكثرَ بعضهُم يعلمُ، وبعضُهم لا يعلمُ.
- واشترطَ بعضُ النحاةِ اتّحادُ الناطقِ ليسمَّى القولُ كلاماً، فلو اتفقَ رجلانِ على أن يقولَ أحدهما: اسماً والآخرُ: فعلاً، نحوُ أن يقولَ أحدُهما: زيدٌ، والآخرُ يقولُ: قامَ، فهل هذا كلامٌ؟ قالوا: لا يسمَّى كلاماً، لأنه لا بدَّ أن يتّحدَ العملُ من عاملٍ واحدٍ، وقيل: لا يشترطُ، وصحّحه ابنُ مالكٍ وأبو حيانٍَ، قال الشيخُ: وهو الصحيحُ، لأن صدورَ الكلامِ من ناطقينِ لا يُتَصَوَّرُ، لأنّ كلّ واحدٍ منهما اقتصرَ على كلمةٍ واحدةٍ اتّكالاً على نطقِ الآخرِ بالأخرى فهيَ مقدرةٌ في كلامِه، فإن قلتَ: قامَ فأنت نويتَ زيداً، وإن قال الآخرُ: زيدٌ فهو قد نوى قامَ.
- قولُ ابنِ مالكٍ ((اسمٌ وفعلٌ ثم حرفٌ الكلمْ)) فيها قولان: إما أن يرادَ بها (الكلمُ) الاصطلاحيُّ، وهو: ما تركّبَ من ثلاثِ كلماتٍ فأكثرَ أفادَ أو لم يفدْ، وإما أن لا يرادَ بها (الكلمُ) الاصطلاحيُّ بل هو جمعُ كلمةٍ، فيكون (الكلمُ) اسمُ جنسٍ جمعيٌّ، كشجرٍ وشجرةٍ، فعلى الأولِ – وهو أن يرادَ به الكلمُ الاصطلاحيُّ – فيه إعرابانِ:
الأول: أن تجعلَ (الكلمَ) مبتدأً مؤخراً، و (اسمٌ ..) خبراً مقدماً، وقلنا بأنّ (الكلمَ) مبتدأٌ، لأنّ الأمرَ إذا دارَ بين نكرةٍ ومعرفةٍ فالأصلُ جعلُ المعرفةِ مبتدأً، والنكرةِ خبراً.
فإذا قدّرنا – هنا – أنّ المقصودَ بـ (الكلمِ) الكلمُ الاصطلاحيُّ، فإنّ قسمةَ الشيءِ إلى أشياءٍ لها طريقانِ لا ثالثَ لهما:
إمّا أنه من تقسيمِ الشيءِ إلى جزئياتِه.
وإمّا أنه من تقسيمِ الكلِّ إلى أجزاءِه.
وكلٌّ منهما لا يصحُّ هنا ألبتةَ، لأنّ تقسيمَ الكليِّ إلى جزئياتِه علامتُه صحةُ إطلاقِ اسمِ المقسومِ على كلِّ واحدٍ من جزئياتِه، كانقسامِ الإعرابِ إلى رفعٍ ونصبٍ وخفضٍ وجزمٍ، ودليلُ معرفةِ تقسيمِ الكليِّ إلى جزئياتِه هو أن تجعلَ القِسْمَ (الرفعَ والنصبَ والخفضَ والجزمَ) مبتدأً، وتجعلَ المقسومَ (الإعرابَ) خبراً، فإن صحّ الكلامُ فهو من تقسيمِ الكليِّ إلى جزئياتِه، وإن لم يصحّ فهو من النوعِ الثاني.
فإذا قيل هنا: الرفعُ إعرابٌ،والنصبُ إعرابٌ، والخفضُ إعرابٌ، والجزمُ إعرابٌ فهو صحيحٌ، فإذا قلنا: الكلمةُ اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، وجعلنا القِسْمَ (اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ) مبتدأً، وجعلنا المقسومَ (الكلمةَ) خبراً، فقلنا: الاسمُ كلمةٌ، والفعلُ كلمةٌ، والحرفُ كلمةٌ فهو صحيحٌ، فهو من تقسيمِ الكليِّ إلى جزئياتِه.
فهل يصحّ هنا أن يقالَ: الاسمُ كلمٌ، والفعلُ كلمٌ، والحرفُ كلمٌ؟ الجوابُ: لا يصحّ، فإذا لم يصحّ ننظرُ في القسمةِ الثانيةِ، وهي تقسيمُ الكلِّ إلى أجزاءِه.
وهذا لا يصحّ أيضاً، لأنّ علامتَه: عدمُ صحةِ إطلاقِ اسمِ المقسومِ على كلّ واحدٍ من أجزاءِه، بل لا يصحّ إطلاقُه إلا إذا اجتمعتْ أجزاؤه التي تركّب منها، وهنا لا يصحّ، لأن المقسومَ (الكلمَ) لا يصحّ إطلاقُه على القِسْمِ (الاسمِ والفعلِ والحرفِ) مجتمعينَ – إذا قلنا إن الواوَ هنا على بابِها في إرادةِ الجمعِ – لأننا بذلك نشترطُ في الكلمِ أن يتركبَ من اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ، وهذا غيرُ صحيحٍ، لأنّ الكلمَ الاصطلاحيَّ يمكنُ أن يتركبَ من دونِ فعلٍ وحرفٍ، فإذا قلتَ (قامَ غلامُ زيدٍ) فهذا كلمٌ اصطلاحاً ولم يوجَدْ فيه حرفٌ، وإذا قلتَ (زيدٌ الكريمُ قائمٌ) فهذا كلمٌ اصطلاحاً ولم يوجَدْ فيه الفعلُ ولا الحرفُ، فإن جعلنا المثالينِ الأخيرينِ من تقسيمِ الكلّ إلى أجزاءِه فهما ليسا بكلمٍ، وهذا باطلٌ، بل هما كلمٌ.
¥
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1915