اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 139
3 - أن العيني -رحمه الله- يخلِّط، ومن ذا الذي ما ساء قط، فمن ذلك أشياء نبه لها الشيخ فيصل المنصور في كتابه، منها قوله عن أحد أبيات ابن مالك: إنه في كتاب سيبويه، وهو ليس في الكتاب، ومنها نسبته بيتا من أبيات ابن مالك إلى زياد بن سيار، وقد تعقبه الأستاذ فيصل، وتعقبه قبله البغدادي في (شرح أبيات المغني)، وبيّنا وهمه في هذا، وقد أشار أبو قصي إلى كلام البغدادي.
ومنشأ وهم العيني في ظني هو أن لكعب ثلاثة أبيات في بحر هذين وقافيتهما ورويهما، وهي مشهورة، وأولها:
لو كنتُ أعجب من شيء لأعجبني * سعي الفتى وهو مخبوء له القَدَرُ
ــــــــــــــــ
وقد رأينا شبه أحد بيتي ابن مالك ببيت جرير، فلننظر إلى شبه بيتيه أحدهما بالآخر:
إن تعن نفسك بالأمر الذي عنيت * نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا
لا تركنن إلى الأمر الذي ركنت * أبناء يعصر لما اضطرها القدر
فمن ذلك:
1 - أن البيتين وضعا لمسألة واحدة وهي جواز حذف العائد المجرور بحرف جُرَّ الموصوف بالموصول بمثله.
فأصل الكلام: بالأمر الذي عنيت به، وإلى الأمر الذي ركنت إليه.
2 - أن البيتين سيقا متتابعين ليس بينهما غير سطر واحد، فأنشد الأول ثم قال: ومثله، وأنشد الثاني، وهذا يبين لك لمَ تشابه البيتان، فإنهما نظما معا في وقت واحد.
3 - كلاهما من البسيط.
4 - قافيتهما من المتراكب.
5 - رويُّهما الراء المضمومة.
6 - موضع الشاهد من البيتين واحد فكلاهما في آخر صدر البيت، فتأملهما:
إن تعن نفسك بالأمر الذي عنيت * نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا
لا تركنن إلى الأمر الذي ركنت * أبناء يعصر لما اضطرها القدر
7 - أن الموصوف بالموصول في البيتين هو لفظ "الأمر"، ولم يقع في واحد منهما على سبيل المثال: "بالشيء الذي" أو "بالحال الذي"، والحال يذكر ويؤنث.
8 - أن الموصول في البيتين هو (الذي) وليس (التي) أو غيرها.
فهذا التشابه بين البيتين.
ومن دلائل وضع الأول قوله: "عُنيَتْ"، وقد بيَّن الأستاذ فيصل كثرة استعماله لهذا الفعل مع قلته في الشعر القديم.
ولا إله إلا الله كم أفسدت الأبيات التي وضعها ابن مالك، وكم ظُلمت بسببها أقوال للعلماء، وقد بين الشيخ فيصل شيئا من أثرها في المتأخرين، ومن ذلك أيضا قول ابن عقيل في مسألة حذف ضمير الخبر الجاري على غير من هو له إذا أُمن اللبس: "وقد ورد السماع بمذهبهم [أي الكوفيين] فمن هذا قول الشاعر:
قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت * بكنه ذلك عدنان وقحطان"
فانظر كيف ظُلم قول البصريين بهذا البيت الذي وضعه ابن مالك، مع اضطرابه أصلا في هذه المسألة فإنه في الخلاصة اختار مذهب البصريين، وفي الكافية مال إلى مذهب الكوفيين.
ولذلك أمثلة كثيرة.
والله أعلم.
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[27 - 04 - 2014, 05:53 م]ـ
شكرَ الله لكم.
وللعينيِّ رحمه الله أوهامٌ كثيرةٌ في كتابِه، في نِسبةِ الأبياتِ خاصَّة، وفي غيرِ ذلك. وقد استعرضتُه كلَّه، فوقفتُ على جُملةٍ من ذلك، نبَّهتُ على بعضِها في موضعِها من كتابي، وأغفلتُ بعضَها محميَةً من الإكثارِ، والإسهابِ، وثقةً بفَهم القارئ. وقد انتهيتُ من ذلكَ إلى عدمِ الاعتدادِ بما يتفرَّد به من النِّسبةِ. وكنتُ متحرِّجًا من الحكم عليه بهذا حتَّى رأيتُ أوهامَه كثيرةً، ووجدتّ بيتينِ زعمَ أن سيبويه أنشدَهما أشرتُ إليهما في الكِتاب، وهما ليسا في كتابِه، ولا يُعرَفان قبل العينيِّ، أحدُهما قولُه:
كَي تجنحون إلى سلمٍ وما ثُئرت ... قتلاكمُ، ولظَى الهيجاء تضطرِمُ؟
وهو يشبه أسلوب ابن مالك.
وقد تعقَّبَه في ذلك البغدادي، فحينَ إذٍ استحصدَت مِرَّة ظنِّي، فأجمعتُ ترك الاعتدادِ بما تفرَّد بنسبتِه من أبياتٍ كبيتٍ زعمَ أنَّ ثعلبًا أنشدَه، وهو:
ترى أسهمًا للموتِ تُصمي، ولا تُنمي ** ولا ترعوي عن نقضِ أهواؤنا العزمِ
وآخرَ زعم أن ثعلبًا أيضًا أنشده، وهو:
بكاللّقوة الشغواء جُلتُ، فلم أكن ** لأولعَ إلا بالكميِّ المقنَّعِ
وآخر نسبَ إنشاده إلى ابن جنِّي، وهو قولُه:
إن تصرمونا، وصلناكم، وإن تصلوا ** ملأتمُ أنفسَ الأعداء إرهابا
وأبيات أخر غيرها نسب إنشادها إلى الفرّاء، وأبي علي الفارسي.
وكلُّ هذه -وهي معدودة- لم نجِدها منسوبةً إلى متقدِّمي العلماء عند غيرِ العينيِّ، وعلى بعضها سيمَى الوضع، وقد بيَّنتُ وهمَه في عددٍ من الأبياتِ، فوجبَ الاحتياطُ للعِلمِ بنفيِها منه حتى تشهَد على صِحَّتها دلائلُ صريحةٌ.
وهنا هنا مِثالٌ يَصدِّق لكَ دعوى الوهم هذه، وذلكَ أنَّ العينيَّ نسبَ هذا البيتَ إلى الكلحبةِ اليربوعيِّ، وهو:
كرَب القلبُ من جواه يذوبُ ** حينَ قال الوشاةُ: هندٌ غضوبُ
وهذا وهمٌ بيِّنٌ منشؤه أنَّ ثَمّة بيتًا يذكرُ كثيرًا مع هذا البيتِ، وهو:
إذا المرءُ لم يغشَ الكريهةَ، أوشكت ** حبالُ الهُوينَى بالفتَى أن تَقطَّعا
وهذا البيتُ معروفُ النِّسبةِ إلى الكلحبةِ اليربوعيِّ بلا ريبٍ. وهو من أبياتٍ له في "المفضليَّات"، والأوَّل شاهدٌ لـ"كرب"، وهذا شاهد لـ"أوشك"، وكلاهما يساقانِ مقترِنَينِ في باب "أفعال المقاربة"، فالتبس الأمرُ على العينيِّ على وجهٍ لا ندري كيفَ كانَ، فنسبَ بيتَ ابنِ مالكٍ إلى الكلحبةِ. ولا يجوزُ أن يكونَ البيتان كلاهما للكلحبةِ، فإنه لا يُعرَف هذا البيت في شِعرِه، ومنشأ الوهم واضحٌ. ويدُلّك على هذا أن ابن مالكٍ نفسَه نسبَ بيتَ (كربَ القلبُ) إلى (رجل من طيِّئ) في "شرح عمدة الحافظ" (2/ 814). والكلحبة من تميم، لا من طيِّئ. ومتَى نسبَ ابنُ مالكٍ بيتًا من الأبيات التي تفرَّد بها إلى (الطائيّ)، أو (طيّئ)، فهو له قطعًا. وهذه مسألةٌ تتبعتُها، فوجدتُّها مطَّرِدة لا تتخلَّفُ.
¥
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 139